للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

الدم

للكاتب الفرنسي إميل زولا

ها أنت ذي لا زلت بين أشعة الشمس وأرج الأزهار. ألم تسأمي هذا الربيع المستمر يا نينون؟ دعيني إذن أغمض جفنيك الناعستين على تلك القصة الكثيرة الهول، فإن النفس متى ملت طول النشوة قد تسكن إلى صوت الأهوال.

- ١ -

في اليوم الذي انتصر فيه الجند أخذ أربعة منهم مقاعدهم عند ركن من ميدان القتال وقد التف من حولهم الظلام وهم يتناولون طعامهم بين جثث الموتى.

وكانت ألسنة اللهب التي يشوون طعامهم عليه تنعكس أشعتها على وجوههم وترسل من خلفهم ظلالا ضخمة إلى مسافات بعيدة حتى أن سيوفهم كانت تتألق من وقت لآخر تحت شرارات تلك النار، وحتى أن الناظر كان يلمح في قلب الظلام جثث القتلى وهي نائمة جاحظة العيون.

أما رفاقنا فكانوا فرحين يضحكون في جوف الليل غير شاعرين بتلك العيون المحملقة فيهم. ولعل لهم عذرا من هول ما رأوا في يومهم الدابر، ومن الهول الذي ينتظرهم في الغدر. فأخذوا يحتفلون بتلك الساعات القليلة التي جاد بها عليهم حسن الحظ غافلين عن ظلام الليل وظلام الموت وأجنحتها التي تحلق فوق هذا الميدان فتهز سكوت الفضاء.

ولما انتهوا من طعامهم تاقت نفس أحدهم إلى الغناء واسمه (جنوص) ولكن نبرات صوته كانت تمزق غشاء الهواء القاتم الحزين، وكانت أغنيته إذا خرجت من شفتيه امتزجت بالصدى فكانت كتنهد عميق. وعند ذلك شق حجاب الظلام صرخة مزعجة دوت في الفضاء فاضطرب حتى أنه كلف رفيقه (إلبرج) ليذهب ويرى فلعل إحدى الجثث عادت إليها الحياة. وهكذا ابتعد إلبرج على ضوء مشعل أخذه معه ورفاقه يشيعونه بعيونهم لحظة على قدر ما يسمح به امتداد الضوء فأبصروا به وقد انحنى من بعيد يسائل الموتى ويفتش بينهم بطرف سيفه ثم اختفى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>