وبينما هم سكوت صاح جنوص بزميله الثاني (كليريان) أن يذهب في أثره خوفا عليه من الذئاب.
وهكذا اختفى هذا أيضاً في الظلام.
أما جنوص وفيلم فبعد أن طال بهم الانتظار ارتديا معطفيهما واستسلما للنوم إلى جانب تلك النار وقد أشرفت على الانطفاء. وما كادا يغمضان أجفانهما حتى سمعا تلك الصرخة من جديد وكأنها تمر من فوق رأسيهما حتى أن فيلم انتصب فزعا واتجه إلى تلك الجهة التي اختفى عندها رفيقاه.
وهكذا لبث جنوص وحده وقد أخذ شبح الخوف يتمثل لعينيه كلما وقع بصره على تلك الهوة السوداء التي كانت تدوي بحشرجة الموتى. وعندئذ ألقي في النار بعض الحشائش اليابسة لعل اشتعالها يبدد شيئا من ذلك الرعب الذي تملكه.
ولقد أخذت ألسنة اللهب ترتفع أخيرا حمراء كالدم فأضاءت الأرض على مسافة مستديرة واسعة كان يخيل إليه أن حشائشها أخذت ترقص من فوقها، وكأن أصابع خفية كانت تحرك جثث القتلى.
على أن القمر أخذ بعد ذلك يظهر قرصه عند الأفق فتبدد أشعته الضئيلة مخاوف تلك الأهوال التي كان الليل يخفيها في جوفه وكانت الصحراء جرداء خالية إلا من بعض أشلاء منطرحة تحت أكفان من النور.
أما جنوص الذي كان العرق يتصبب من جسمه فقد فكر في الصعود فوق رابية هناك وهو يسائل نفسه: لم لا تنصب من مكانها أشباح أولئك الموتى وقد أخذت تحملق فيه. وهكذا أخذ جمودها أيضاً يرسل إلى قلبه عوامل الرعب فأغمض عينيه. وبينما هو في مكانه جامد شعر بحرارة تدب في قدمه اليسرى فانحنى ليتبين أمرها ولكنه رأى سلسالا رقيقا من الدم يعلو وينحدر بين الحصى، ولجريانه خرير ناعم لطيف.
وكان هذا السلسال يخرج من الظلام ويتلوى تحت أشعة القمر ليعود ثانية إلى الظلام، فكان كالثعبان الملطخ ببقع سود تتتابع كالحلقات بخفة وبلا انتهاء. وعندئذ تراجع إلى خلفه وقد تمردت أجفانه فلم يستطع إطباقها من هول ما رأى. أما السلسال فأخذ يتسع مجراه حتى استحال إلى جدول ثم إلى نهير ثم إلى سيل يسمع له وهو يجري صوت أصم وقد أخذ