[عزلة!]
(. . والعزلة مملكة الأفكار). شاتوبريان
للشاعر الدمشقي أنور العطار
وعًزْلةٍ بَرَّةِ الأفْياءِ ساجيةٍ ... رفَّافةِ الحُلْمِ تُنْئي كلَّ أتْراحي
طويتُ في صمتها قلباً شجيتُ بهِ ... واعتضْتُ عنه بقلبٍ جدِّ مفراح
يَلقى أخو الهم في أظلال دارتها ... كوناً بكونٍ وأرواحاً بأرواح
تَغيمُ روحيَ إما ثار هاجسُها ... في لامع مثل قرصِ الشمس مُنْداح
غَيبوبة ملؤها الإحسان شاملة ... غسيلة بِشَذًى كالعطر نفَّاح
أصوغُ فيها أناشيدي وأجمعُها ... من عابقٍ دائم الاطياب مسماح
يا فرحةَ الرُّوح! تحدُوها غيابتها ... إلى مطافٍ خصيب الوحي فياح
تنسى به حزَّةً في القلب مُوجعةً ... مشطورةً من أسى كالهمِّ ملحاح
كغصةً ثرّة التعذيب جاهدةٍ ... في صدر طفلٍ منيع الوِرد ملتاح
فأن يقتر عليها الحظ حصتَها ... تظفر بحُبِّ وإيناس وإسجاج
هَناءةُ العُمْر ما انْساغت مناهلها ... إلاّ لقلبٍ غنيِّ البِشْرِ، ممراح
مفَضَّض الحُلْمِ مغمورِ الشِّعابِ هوى ... أنقى من النُّورِ في أعطافِ إِصباحِ
فاطربْ ولذَّ وَطِرْ نشوانَ من فرحٍ ... في عالمٍ خيِّرِ الالهامِ منَّاح
وأغْنَم سوانح دهرٍ، غير وانيةٍ ... من قبل يوم عصيِّ البرءِ لواح
ومرْقبٍ في كفافِ الأفْقِ منفَردٍ ... كأنه كَهفُ نَسْرٍ جدِّ طماح
أسرى إليه خيالي غير مكتَرِثٍ ... لهيكل راجف الأركان طلاح
فعبَّ منه نقيَّ الوحي فانْبَجَسَتْ ... أمواههُ من مَعيِنٍ غير ضحضاح
كأنما ظلَّ يهمي فوق صفحَتِه ... شُؤْبوبُ غيْثٍ هتونٍ السَّكْبِ سحاح
وروضةٍ حليتها العين وانبسطت ... في ظلِّ واد أنيق الوشْيِ رحراح
أنشأت كوخاً على غدرانها بهِجاً ... موَشَّحاً بتعاشيبٍ وأوضاح
من كل نَوارةٍ ضحاكة جذلا ... وكلِّ زهرٍ نطوف النشر، فواح
وافيتها والمساء الرحْبُ تغمرني ... ظلالُهُ بخيالات وأشباح