المساجد الجامعة وأثرها في حياة المسلمين وتربيتهم الدينية
للأستاذ أحمد رمزي
كانت فكرة تربية المسجد تعاودني من وقت إلى آخر. وكانت حوادث الزمن تمر عليّ فلا اشعر بمرورها. لقد قضيتُ اسعد سنوات العمر وأزهرها مغتربا عن بلادي، مشرِّقاً حيناً ومغرِّباً أحياناً، وأطلقت العنان لنفسي أقرأ وأستمع وأبحث، وأدرس الحركات الشعبية وتأثيرها، واتصل بأصناف مختلفة من الناس، وألمس عن قرب تطور العالم وتمخضه بالحركات الفكرية الكبرى، ومع ذلك كانت تلازمني فكرة حمد الله صبحي عن تربية المسجد وأثرها في حياة المسلم.
وأجتهد أن أصل إلى تكييفها وفهمها لإيجاد طريقة أو منهج لتحقيقها. وكان أشد ما يقابلني من المصاعب، ويصدني عنها هو مناقضتها بمنطق ستند على أنها بعيدة عن الإسلام وأنها تقليد للمذاهب والأديان الأخرى، وفي ذلك هدم للفكرة وإخراج لها من حيز المقبول إلى حيز التحريم والإنكار.
ففي يوم من أيام إقامتي بسوريا ولبنان مدة هذه الحرب اتجهت نية بعض الإخوان إلى زيارة الحصون والقلاع التي تركتها الحروب الصليبية. فلما زرناها وقفنا مدهشين لأن ما نقش على الحجارة ينطق بفتحها على يد ملوك مصر أمثال بيبرس وقلاوون وابنه الأشرف خليل، فبدأت اشعر شعورًا جديداً، بعظمة مصر الإسلامية العربية وأثرها في العالم العربي، وحنقت على وزارة المعارف التي أهملت هذه الناحية فلم تلقني شيئاً عن تاريخ بلادي في معاهدها سوى أنها أنقصت من قدر ملوك الإسلام الذين تولوا الحكم فيها، فلم تكشف لي عن صفحة مجد واحدة تحبب إليَّ ذلك العصر المملوء بالفتوح والحروب والمعارك والانتصارات التي منّ الله بها على جند مصر العربية الإسلامية وملوكها، ومكنتهم من هذه الحصون التي وقفت تقارع الزمن حتى مهد الله فتحها على أيديهم بعد أن عجز غيرهم عنها، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.
وكان أن أخذت نفسي بقراءة المراجع كما كبها المعاصرون لتلك الحوادث، فهداني الله إلى حقائق كانت مغلقة عليَّ، إذ عرفت أهمية المساجد الجامعة وأثرها في تاريخ المسلمين،