وكيف أسند ملوك الإسلام وظائف الإمامة والخطابة للقضاء وكبار العلماء من مشايخ الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، وكيف ارصدوا الأوقاف والأموال والخيرات والنعم والوافرة على مساجد الله. فأين ذهب كل هذا؟
ولم نتلق شيئاً عن هذه المساجد وتاريخها ما يدفعنا لزيارتها والتحدث عنها كجزء متمم لتاريخنا وشخصيتنا ولكن هذا النقص تكفلت به كتب التاريخ والتراجم والأدب.
فقرأنا في صبح الأعشى الكثير عن الوظائف الدينية ودرجاتها وأهميتها، فمن ذلك صورة تقليدين لمشيخة الشيوخ أحدهما للخانقاه الصلاحية (سعيد السعدا) من إنشاء المقر الشهابي ابن فضل الله العمري، والثاني لمشيخة الخانقاه الناصرية بسرياقوس من إنشاء السيد الشريف شمس الدين، وكلاهما تحفة من تحف الأدب الديواني، ودليل على العناية والاهتمام بمراكز الدين وأهمية الإمامة والخطابة بالمساجد في صميم الدولة الإسلامية.
فبالله عليك ماذا يكون موقفنا لو أبقى الزمن على محفوظات ملوك الإسلام بمصر بأكملها؟ وإنه لشيء عظيم يدل على أن المساجد الكبرى مثل جامع عمرو وابن طولون والجامع الأزهر بعد ذلك وجامع الحاكم والسلطان حسن وجامع الملك الظاهر، وجامع القلعة، كان يتولاها أكبر علماء العصر. ولو شئنا أن نؤرخ لكل منها وان نصف ما مرَّ من العزّ عليها، لاحتجنا إلى كتاباً لكل منها.
إذا تقرر ذلك، فما الذي يمنع أن يرد اعتبار هذه المساجد إليها؟ فتسند وظائف الخطابة والإمامة إلى أكبر علماء الدين وأعلاهم قدراً، وأكثرهم غيرة على الدين، مثل فضيلة الأستاذ الأكبر، ومفتي الديار المصرية، وقاضي القضاة وهو اسم تاريخي ما اجمل وقعه لو أطلق على رئيس المحكمة العليا الشرعية، وإلى غيرهم من هيئة كبار العلماء وأساطين الشريعة السمحاء، وان يقلدوا هذه الوظائف بمراسيم عالية تصدر بالألقاب التي كانت تستعمل في العهود الإسلامية.
فجامع عمر بن العاص متى يتولى الإمامة فيه شيخ من فطاحل شيوخ الإسلام من ذوي المراكز العالية والمراتب الكبرى؟ فيضع بطاقته مفتخراً بأنه إمام جامع عمرو بن العاص قبل وظيفته الرسمية العالية، حينئذ يأتي الكبراء إليه ويزدحم المسجد العتيق بجماهير المصلين ليؤدي لهم بحق رسالة الإسلام.