للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما جامع ابن طولون فمتى يعود لسابق عهده، فمتى تعلق ستائره وتفرش أرضيته بالأبسطة والطنافس ومتى تعود أيامه وتوقد القناديل فيه؟ إنهم يرونه أثراً من آثار الجاهلية الأولى كمعابد الكرنك وإدفو، وأراه دعامة من دعائم الإسلام في هذا البلد المسلم. إنه ينتظر عالماً كبيراً بمنزلة القاضي بكار، يرجْ بصوته الجهوري أركانه ويدعو فيه إلى ذكر الله ويعلم الناس في أروقته الكتاب والدين والتقوى. وإذا سألتني ومن يأتي إليه؟ أجبتك إن شخصية الإمام العامل العالم تكفل لك أن تنقل المسجد الجامع من معبد أثري إلى بيت من بيوت الله، حينئذ يؤمه الألوف لسماع ذلك النداء الخالص الذي يدعو إلى الرسالة المحمدية.

وإذا ذهبت إلى حيّ العباسية مخترقاً الظاهر قابلك الجامع الظاهري، مفخرة العمارة الإسلامية في العصور الوسطى. لو كان ملكا لشعب من أصغر شعوب الأرض لما قبل أن يتركه على هذه الحالة. بالله هل سمعتم ان كاتدرائية ريمس حينما هدمتها الحرب الأولى أو كاتدرائية وستنمستر حينما هدمتها الحرب الثانية، اتخذ الناس أرض الأولى متنزها والثانية مرتعاً؟ أما في مصر، فقد انفردنا بهذا الفتح إذ جعلنا الجامع الظاهري الذي بناه أعظم ملوك الإسلام متنزها في حي أشعر أنه بحاجة لمسجد جامع يؤمه الناس. إن أهل العباسية في مجيئهم من محطة باب الحديد إلى مساكنهم، ألا يشعرون بشيء من الخجل حينما يرون المعابد العالية التي يقوم بالإنفاق عليها أفراد من مختلف الطوائف، وأن مسجدهم العظيم يتخذ متنزهاً؟

حينما أعادت فرنسا كاتدرائية ريمس، توالت عليها التبرعات من جميع أنحاء الأرض، ولو رغبت وزارة الأوقاف في إعادة جامع الظاهر أظن أن الكثيرين من عشاق الفن الإسلامي لا يتأخرون عن مد يد المساعدة إليها وسيكون لنا عودة لهذا الجامع فنذكر ما مر به من حوادث الزمن.

(وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم).

إن الطوائف الأخرى تقيم أعيادها واجتماعاتها في معابدها، ونحن معاشر المسلمين، في حاجة للرجوع إلى المساجد في هذه المناسبات، وليس في ذلك من حرج، لأن ذلك كان سنة من تقدمنا - ذكر ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن الفرات في تاريخه عن حوادث رمضان سنة ٦٧٧ أنه بمناسبة مرور سنة على وفاة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس

<<  <  ج:
ص:  >  >>