من قراء (الرسالة) شاب يقيم بإحدى قرى المنوفية، وهو شاب يشتعل حماسةً لأدبه، ويؤمن بأنه مظلوم أقبح الظلم، لأن (الرسالة) لا تلتفت إلى ما يرسل إليها من القصائد الجياد
كتب إليً هذا الشاب منذ شهرين خطاباً يشرح فيه تغافل الأستاذ الزيات عن فنه الجميل، وكان خطابه قطعة نثرية مقبولة، فرجوت أن يكون شعره مثل نثره، ودعوته إلى إرسال إحدى قصائده (لأتوسط) في نشرها بالرسالة، فجاءت منه قصيدة طويلة تشهد بأنه بعيد من الصياغة الشعرية، وإن كان على شيء من قوة الإحساس. . . وكانت النتيجة أن أشارك هذا الشاب في حقده على الأستاذ الزيات لتغافله عن القيمة (الصحيحة) لأشعار المبتدئين!!
وفي هذا اليوم تلقيت خطابين من هذا الشاب يفيضان بالتوجع والتفجع، وينذران بخاتمة أليمة، إن قصًرت في تشجيعه على نشر ما يريد. والخواتم الأليمة معروفة، وأخفها أن يحبس الشاب نفسه في قرار النيل إلى يوم البعث، بعث الأشعار والأجساد!
وقد تفضل هذا الشاب بإرسال صورته إليً، فقد تبخل الأقدار بأن أراه، وعندئذ تكون هذه الصورة مبعث ندم مقيم على ما ضيعت عليه من فرص التشجيع!
وأجيب بأن لهذا الشاب أن يقتل نفسه حين يشاء، ما دام يتوهم أن الحياة كل الحياة أن ينشر قصيدة في إحدى المجلات، وإن لم يصل إلى النضج الصحيح
لقد قلت ألف مرة ومرة: إن التسامح مع المبتدئين جرم فظيع، لأنه يهوًن عليهم الحياة الأدبية، ويوهمهم أن الأدب لا يفرض على أصحابه تكاليف من الدراية والخبرة والاطلاع على أسرار الوجود
اسمع. يا بني
تنقسم الأخشاب إلى أنواع: خشب للوقود، وخشب للسقوف، وخشب للنوافذ والأبواب، وخشب لدقائق الأثاث، والنوع الأخير هو أثمن الأخشاب فهل تعرف أعمار هذه الأصناف؟
تتفاوت أعمارها بحسب القيمة، فمن الأخشاب ما ينضج في خمسة أعوام، ومنها ما ينضج في خمسين عاماً، لأن الطبيعة لا تقدر على إنضاج الصنف الجيد إلا في الأزمان الطوال
فكم سنك، يا بني؟ كم سنك، فلن تكون قيمتك إلا بقدر ما أنفقت الطبيعة من الزمن في