أما غير أمهات المؤمنين من نساء المسلمين فلم يفرض عليهن هذا الحجاب الذي فرض عليهن، لأن فرضه كان للغرض السابق الخاص بهن، وقد ترك الإسلام أمر هذا الحجاب للرجل وزوجه، يجريان فيه على ما تقتضيه المصلحة التي تختلف باختلاف النساء، وشأنه في هذا شأن غيره من الأمور التي تركها الإسلام لحكم العرف والعادة وغيرهما.
ولهذا كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جرى مع نسائه على ترك تقييدهن بشيء من أمر هذا الحجاب كالزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن جعفر وغيرهم. وكان منهم من جرى على تقييد نسائه به مثل ما قيدت به أمهات المؤمنين، وقد ورد من هذا أن سلمة بن قيس أرسل رجلاً إلى عمر يخبره بواقعة من الوقائع، فلما قدم له عمر الطعام نادى امرأته أم كلثوم بنت علي: ألا تأكلين معنا؟ فقالت له: لو أردت أن أخرج إلى الرجال لكسوتني كما كسا ابن جعفر والزبير وطلحة نساءهم.
ولعل الزبير كان يفعل هذا مع زوجه أسماء بنت أبي بكر، فقد تزوج بعدها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت امرأة عجزاء بادنة، ولها جمال وكمال وتمام في عقلها ومنظرها وجزالة رأيها، وهي التي يقول فيها عبد الله بن أبي بكر:
أعاتكُ لا أنساك ما ذَرَّ شارقٌ ... وما ناح قُمْريُّ الحمام المطوَّقُ
أعاتِكُ قلبي كلَّ يوم وليلةٍ ... لديك بما تخفي النفوسُ معلَّقُ
لها خُلُقٌ جزْلُ ورأيٌ ومنطقٌ ... وخَلْقٌ مَصُونٌ في حياء ومصدق
فلم أَرَ مثلي طلَّق اليومَ مثلها ... ولا مثلها في غير شيء تطلَّقُ
وكانت عاتكة تحت عبد الله فشغل بها، وغلبته على رأيه، فمر عليه أبو بكر أبوه وهو في علية يناغيها في يوم جمعة، وأبو بكر متوجه إلى الجمعة، ثم رجع وهو يناغيها، فقال يا عبد الله أجمعت؟ قال أوصلى الناس؟ قال نعم، فقال له أبو بكر: قد شغلتك عاتكة عن