المعاش والتجارة، وقد ألهتك عن فرائض الصلاة - طلقها - فطلقها تطليقة ثم ندم على طلاقها وقال هذه الأبيات فيها، فأذن أبوه في مراجعتها؛ وقد مكثت تحته حتى مات فتزوجت بعده عمر، ثم تزوجت بعد عمر الزبير. فلما ملكها الزبير قال لها: يا عاتكة لا تخرجي إلى المسجد، فقالت له: يا ابن العوام - أتريد أن أدع لغيرتك مصلى صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فيه؟ قال فإني لا أمنعك، فلما سمع النداء لصلاة الصبح توضأ وخرج، فقام لها في سقيفة بني ساعدة. فلما مرت به ضرب بيده على عجزتها، فقالت مالك قطع الله يدك ورجعت. فلما رجع من المسجد قال يا عاتكة مالي لم أرك في مصلاك؟ قالت يرحمك الله أبا عبد الله، فسد الناس بعدك. الصلاة اليوم في القيطون أفضل منها في البيت، وفي البيت أفضل منها في الحجرة.
وهكذا كان بعض الرجال يحاولون أن يفرضوا على نسائهم هذا الحجاب بحكم الغيرة لا بحكم الدين؛ وكانت عائشة رضي الله عنها هي التي حالت بين النساء والمساجد، وكن يصلين فيها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تقوم صفوفهن خلف صفوف الرجال. فلما فتحت الأمصار وأقبلت الدنيا على المسلمين ظهرت المرأة في زينتها، وأخذت تحضر إلى المسجد بحالة تدعو إلى الفتنة، فرأت عائشة في حضورهن المساجد هذا الرأي، وقالت في ذلك: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل.
ولقد كان في نفسي شيء من هذا المنع إلى أن شفاها منه عالم الأندلس، وإمام أهل الظاهر، أبو محمد علي بن حزم. قال رحمه الله وأرضاه: أما ما حدثت عائشة فلا حجة فيه لوجوه:
أولها أنه عليه السلام لم يدرك ما أحدثن فلم يمنعهن، فإذا لم يمنعهن فمنعهن بدعة وخطأ، وما نعلم احتجاجاً أسخف من احتجاج من يحتج بقول قائل لو كان كذا لكان كذا.
ووجه ثان وهو أن الله تعالى قد علم ما يحدث النساء، ومن أنكر هذا فقد كفر، فلم يوح قط إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بمنعهن من أجل ما استحدثنه، ولا أوحى تعالى قط إليه - أخبر الناس إذا أحدث النساء فامنعوهن من المساجد.
ووجه ثالث وهو أننا ما ندري ما أحدث النساء مما لم يحدثن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شيء أعظم في إحداثهن من الزنا، فقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى