الله عليه وسلم، ورجم فيه وجلد، فما منع النساء من أجل ذلك قط.
ووجه رابع، وهو أن الأحداث إنما هو لبعض النساء بلا شك دون بعض، ومن المحال منع الخير عمن لم يحدث من أجل من أحدث، وقد قال تعالى:(ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى).
ومن يدقق النظر في ذلك يجد أن هذه المحاولات في الحجر على النساء كانت ترجع إلى أسباب اجتماعية لا دينية، وأن الرجال كانوا يلجئون إلى هذا الحجر إذا أسرف النساء في استعمال ما أطلق الشارع لهن في هذا الأمر، وقد بدأ الرجال كما ذكرنا يلجئون إلى ذلك بعد قليل من عهد النبوة، حتى كان ذلك يخرج بهم إلى حد الإثم. قال صاحب الأغاني: قال إسحاق قال المدائني وأخبرني أبو مسكين عن فليح بن سليمان قال: كان الدلال ملازماً لأم سعيد الأسلمية، وبنت ليحي بن الحكم بن أبي العاصي، وكانتا من أمجن النساء، كانتا تخرجان فتركبان الفرسين فتستبقان عليهما حتى تبدو خلاخيلهما، فقال معاوية لمروان: اكفني بنت أخيك، فقال: أفعل، فاستزارها وأمر ببئر فحفرت في طريقها وغطيت بحصير، فلما مشت عليه سقطت في البئر فكانت قبرها.
وقد كانت النساء الحرائر من العربيات وغيرهن يقاومن ما يحاوله الرجال من الحجر عليهن، ولا يفرطن فيما أباحه الشارع لهن، كما سبق من عاتكة بنت زيد مع زوجها الزبير؛ وقد حاول عمر قبله ذلك معها أيضاً. روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عمر بن الخطاب وكانت تشهد الصلاة في المسجد، وكان عمر يقول لها: والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا، فقالت: والله لا أنتهي حتى تنهاني، قال عمر: فأني لا أنهاك، فلقد طعن عمر يوم طعن وإنها لفي المسجد.
فلما أخذ الرجال يفضلون الإماء على لحرائر ضعفن عن هذه المقاومة، وآل الأمر بالرجال إلى أن جعلوا بيوتهم سجناً للنساء، وحرموا عليهن الخروج إلى المساجد وغيرها، ومنعوهن من الاختلاط بالرجال ولو في حضورهم. ثم طال الأمر على ذلك بين المسلمين حتى ظن أنه من دينهم وما هو منه في شيء، وإنما كان مثل هذا مفروضاً على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يبلغ في الشدة إلى مثل هذا الحد، ثم انتهى ذلك بموت ميمونة رضي الله عنها، وكانت فيما قيل آخرهن موتاً.