ليس الغريب أن يخطئ صاحب الكتاب ذلك الخطأ الشنيع في فهم الواضح من آيات القرآن الكريم كآية سورة هود التي حللنا فهمه إياها في كلمتنا السالفة، فإن خطأه ذلك إن هو إلا نتيجة لرأيه في القرآن، ومصداقاً لقوله تعالى:(وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) لكن الغريب أن يخطئ في فهم نصوص ذكرها من كلام الناس نذكر لك الآن منه صنوفاً
أراد صاحب الكتاب أن يبين أن صحة المعنى لا تكفي لبلاغة الكلام؛ فزعم أنه (لا يوجد أصدق من قول من قال:
كأننا والماء من حولنا ... قوم جلوس حولهم ماء
وتساءل: ولكن من الذي يقيم وزناً لصدق هذا الكلام؟ إن هذا الصدق هو التفاهة بعينها)
والتفاهة ليست في صدق البيت ولكن في الفهم الذي لا يدرك أن سر تفاهته هو في الخلف الذي بين شطريه. ذلك أن البيت في صميمه بيت تشبيه، والتشبيه يتطلب مشبهاً به مغايراً للمشبه، والقارئ يتوقع هذه المغايرة إذا قرأ الشطر الأول؛ فإذا وجد الشطر الثاني قد كذب هذا التوقع بجعله المشبه به عين المشبه بطل التشبيه عنده، وهزئ بالقائل الذي لا يعرف ما هو التشبيه، وبالبيت الذي يكذب شطر منه شطراً
فالبيت من ناحية التشبيه بيت كاذب: يعد القارئ في شطره الأول بشيء يخلفه إياه في شطره الثاني. وهذا الخلف والتضاد بين شطري البيت هو سر تفاهته. فلو حذفت منه حرف التشبيه ووضعت مكانه حرف التوكيد لزال من البيت الخلف الذي هو نوع من الكذب، ولحل محله الصدق، ولارتفعت قيمة البيت ارتفاعاً يجعله بمنجاة من أن يكون مثلاً مضروباً في السخرية والاستهزاء، لكن صاحب الكتاب غبى عليه أن التفاهة التي يحسها في البيت راجعة إلى هذا النوع من الكذب فيه، وتصور أن البيت قد بلغ من الصدق الغاية، فدل بذلك على أنه في الحقيقة لم يفهم البيت