للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الضعف في اللغة العربية]

للأستاذ أحمد أمين

رددت الجرائد والمجلات في هذه الأيام الشكوى من ضعف الطلبة وخريجي الجامعة في اللغة العربية - ولا شك أنها مسألة لا يصح أن تمر من غير أن يتداولها الكتاب بالشرح والتعليل، ويقلبوها على وجوهها المختلفة، حتى يصلوا إلى علاج حاسم.

أما إن الطلبة ضعاف جداً في اللغة العربية فأمر لا يحتاج إلى برهان. فأكثرهم لا يحسن أن يكتب أسطراً ولا أن يقرأ أسطراً من غير لحن فظيع يكاد يكون بعدد الكلمات التي يكتبها أو يقرؤها؛ وهم إذا خطبوا أو قرءوا أو كتبوا أو أدوا امتحاناً رأيت وسمعت ما يثير العجب ويبعث الأسف. وأما أن الضعف في اللغة العربية نكبة على البلاد فذلك أيضاً أمر في منتهى الوضوح، لا لآن اللغة العربية لغة البلاد والضعف فيها ضعف في القومية فقط، بل لأنها اللغة التي يعتمد عليها جمهور الأمة في ثقافتهم وتكوين عقليتهم؛ فاللغة الأجنبية التي يتعلمها طلاب المدارس الثانوية والعالية ليست هي عماد الثقافة، وليست هي التي تكون أكثر جزء في عقليتنا، إنما الذي يقوم بهذا كله هو اللغة العربية التي نتعلمها في الكتاتيب ورياض الأطفال، وندرس بها العلوم المختلفة في المدارس الابتدائية والثانوية والعالية. فالضعف في اللغة العربية ضعف في الوسيلة والنتيجة معاً، على حين أن الضعف في اللغة الأجنبية في كثير من الأحيان ضعف في الوسيلة فقط، ولهذا أعتقد أن معلم اللغة العربية في المداس على اختلاف أنواعها عليه أكبر واجب وأخطر تبعة، وبمقدار قوته وضعفه تتكون - إلى حد كبير - عقلية الأمة.

وبعد، فما هي الأسباب التي نشأ عنها هذا الضعف؟ أظن أنه يكفينا في هذا المقال الإجابة عن هذا السؤال وإرجاء الكلام في العلاج إلى مقال أو مقالات أُخر.

فعندي أن الأسباب ترجع إلى أمور ثلاثة: طبيعة اللغة العربية نفسها، والمعلم الذي يعلمها، والمكتبة العربية.

فأما طبيعة اللغة العربية فهي صعبة عسره إذا قيست - مثلاً باللغة الإنجليزية أو الفرنسية. ويكفي للتدليل على صعوبتها ذكر بعض عوارضها: فهي - مثلاً - لغة معربة، تتعاور أواخرها الحركات من رفع ونصب وجر وجزم حسب العوامل المختلفة؛ ولا شك أن اللغة

<<  <  ج:
ص:  >  >>