للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مساجلات]

للأستاذ عباس محمود العقاد

لقيني كاتب معروف يتشيع للبدع الحديثة حتى تقدم فيتركها ويتشيع لغيرها فقال لي:

إنك أنكرت (الوعي) الباطن في التصوير، وأخذت على غلاة المحدثين أنهم يعتمدونه في صورهم، مع أنك ترجع إليه في شعرك وترسم بالقلم نظائر لما يرسمونه بالريشة

قلت: مثل ماذا؟

قال: مثل قولك في وصف قبة الفضاء إحدى الليالي:

كأنها الهاوية المقلوبة

كأنها الجمجمة المنخوبة

تهمس فيها الذكر المحبوبة

وهذا من صور الوعي الباطن وليس من صور العيان

والذي قاله الكاتب المعروف يخالف الواقع ولا يؤيد المدرسة الغالية من المصورين، أو مدرسة (السريالزم) على وجه من الوجوه

فأنا، من جهة، لم أنكر الوعي الباطن ولا موجب لإنكاري إياه، وإنما أنكرت أن يكون وجود الوعي الباطن ملغياً للوعي الظاهر وللمشاهدة الحسية والمرئيات العيانية، وأنكرت أن يكون الوعي الباطن ملغياً لقواعد التصوير قديمها وحديثها، فلا تبقى للمصور مزية على الجاهل بفن التصوير، لأنهما على حد سواء يهملان التلوين والمشابهة وأصول الرسم والتمثيل، وأبيت أن أعتقد كما يعتقد الواهمون أن (الوعي الباطن) شيء جديد في هذه الدنيا، وهو هو تلك الملكة الراسخة في قرارة النفوس قبل ظهور التصوير والمصورين، فلم يكن رسوخها هذا حائلاً بين المصورين الأقدمين وبين رؤية الأشياء كما يمثلها العيان

إن الوعي الباطن ليس من اختراعات هارتمان ولا فرويد، ولا من مصنوعات القرن العشرين، ولكنه ملكة إنسانية وجدت في مصوري روما وهولندة وإسبانيا كما توجد في المصورين المحدثين؛ فلماذا نلغي العيون اليوم ولا نرى الأشياء إلا بالتنجيم والتخمين؟ ومن الذي قال إن حامل الريشة هو المتخصص في تنجيمات الوعي الباطن دون المعلم والمهندس والطبيب والكاتب والشاعر وسائر المثقفين وغير المثقفين؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>