هذا كلامي عن (الوعي الباطن) لا يدحضه الشعر الذي ذكره الكاتب المعروف وأراد أن يسلكني به في عدد أولئك المنجمين
على أن الشعر الذي ذكره الكاتب المعروف يعطي العيان حقه ويعتمد على الحس ولا ينسى المشاكلة ولا المشابهة من جانبها الظاهر ولا من جانبها الباطن أقل نسيان
فالتجويف ملحوظ في قبة الفضاء وفي الجمجمة المنخوبة؛ وهمس الذكر يقترن بالرأس ويقترن بالسماء في لياليها المرهوبة، وإذا تسربلت السماء بسربال الرهبة، فالشعور الذي توحيه إلى النفس أقرب شيء إلى شعور الإنسان أمام الرؤى التي أحاط بها عالم الفناء والأبدية
فالمشابهة الحسية والمشابهة المعنوية متوافرتان هنا كل التوافر، وليس في (السريالزم) أثر للمشابهات ولا للتوافق في الرسم والتصوير.
على أننا نذهب مع الكاتب المعروف إلى أقصى مداه ونفرض أن وصفي الفضاء في إحدى الليالي المرهوبة بالجمجمة المنخوبة وعي باطن ليس فيه من الوعي الظاهر كثير ولا قليل
نفرض أنني رجعت إلى (الوعي الباطن) في بيت أو بيتين أو عشرة أبيات من عشرة آلاف بيت. فأين هذا من إلغاء الحس والعيان كل الإلغاء وتطليق العيون والأسماع إلى آخر الزمان؟ إن تسلل الوعي الباطن مرة في كل ألف مرة لهو احتمال جائز موافق لطبيعة السوانح الباطنية. أما الوهم الذي لا يجوز ولا يوافق طبيعة من الطبائع، فهو أن نصبح كلنا وعياً باطناً وأن تصبح الدنيا كلها موعية باطنية لا تستخدم فيها عين ولا أذن كما يستخدمهما خلق الله في المسكن والملبس والطعام والشراب والدرس والتخيل والتفكير
هذا الذي ننكره وينكره كل ذي عينين وكل ذي وعي باطن مستقر في مكانه كما خلقه الله. أما المصورون الذين يقذفون بالألوان والرسوم إلى عرض الطريق ليحدثونا باسم (الوعي الباطن) فأول ما ينبغي أن يسمعوه منا أنكم يا هؤلاء لستم بأصحاب الاختصاص في هذه الأسرار. فإذا فشلتم في حمل الريشة وخلط الألوان فقد فشلتم في وظيفتكم المعترف بها وادعيتم لأنفسكم وظيفة لا يعترف لكم بها إنسان، ولا حاجة بالناس إليها لأنهم جميعاً أصحاب (وعي باطن) مثلكم وزيادة. . . فما حاجتهم إليكم وإلى غيركم من أدعياء هذه الكهانة المعروضة عليهم في ثوب التصوير؟