سوف لا نعرض في هذا البحث للتجارب التي أُجريت في هذه المسألة؛ فإن هذه التجارب كثيرة كثرة لا نستطيع معها حصرها في بحث مثل هذا البحث؛ وهي كذلك ذات صبغة بيئية إن صحَّ هذا التعبير، فهناك تجارب إنجليزية وتجارب أمريكية وتجارب أسترالية وتجارب فرنسية، وطبيعي أن هذه التجارب لا تهمنا كمصريين لهم بيئتهم الخاصة وتعليمهم الخاص الذي توحي به هذه البيئة؛ هذا إلى أن من هذه التجارب ما كان مسرحه المدرسة الابتدائية وما كان مسرحه المدرسة الثاموية وما كان مسرحه الجامعة، وواضح أن هذه التجارب لا تصلح لمدارسنا وجامعاتنا لسبب بسيط جدّاً وهو أن مدارسنا وجامعاتنا تختلف عن تلك المدارس والجامعات الأجنبية التي جعلت مسارح تُجري عليها تجارب الحكم الذاتي؛ كذلك أجريت تجارب في الحكم الذاتي على التلاميذ الذين لم يبلغوا سن البلوغ والمراهقة وعلى الطلبة الذين بلغوا هذه السن وهنا أيضاً لا نستطيع تطبيق هذه التجارب على من لم يبلغ هذه السن من تلاميذنا وعلى من بلغها لسبب بسيط جداً أيضاً، وهو أن هؤلاء يختلفون اختلافاً كبيراً عن نظرائهم في البلاد الغربية.
وإذن فلن نعرض لهذه التجارب التي أجريت في الحكم الذاتي. وإنما سنعرض فقط للمبادئ العامة التي تسيطر على هذا الموضوع.
وأول ما نفعله في هذا الصدد أن نبين مكان الحكم الذاتي من التأديب
فنحن نعرف أن الأستاذ مكمان يقسم تطور التأديب من حيث البعد عن الحرية أو القرب منها إلى ثلاث مراحل متتابعة: مرحلة الإرهاب ومرحلة التأثير بالشخصية ومرحلة التحرير
ففي المرحلة الأولى كان المعول على القوة وحدها، وكانت العصا أداة التفاهم الوحيدة بين المعلم والتلميذ
وفي المرحلة الثانية - وهي مرحلة انتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثالثة - هذب المربون من حاشيتهم ووقفوا من جفوتهم وإن لم زودوا تلاميذهم بعد بالحرية الكاملة التي