في سنة ١٩١٤ تخرج أول دكتور من الجامعة المصرية، وهو الدكتور طه حسين، وقد قدّم لامتحان الدكتوراه رسالة سماها (ذكرى أبي العلاء)، رسالة ظنها الناس تأليفاً كسائر التأليف، ولكنها أدهشتهم حين طُبعت، فقد رأوا أن للجامعة نفَساَ أطيب من سائر الأنفاس، وأدركوا أن الجامعة تخلق أبناءها خلقاً جديداً، وأن لها رسالة جيدة، وأنها مصباحٌ سيبذّ ما سلف من المصابيح
ولم تكن رسالة الدكتور طه مثالاً يحتذيه طلبة الجامعة فحسبُ، وإنما امتد أثرها إلى آفاق بعيدة من أقطار الشرق
وقد قدّم الدكتور طه بعد ذلك بأعوام رسالة إلى جامعة باريس عن ابن خلدون، ولكنها ليست في قوة الرسالة التي قدمها إلى الجامعة المصرية عن أبي العلاء، فكان هذا برهاناً على أصالة الجامعة المصرية في تثقيف الأذواق والعقول
ثم ماذا؟
ثم نظرت الجامعة فرأت الحكومة تخنق التعليم في المعاهد العالية، فأنشأت قسم الحقوق في أعوام عجاف، هي أعوام الحرب الماضية، وكانت النتيجة أن تعترف الحكومة نفسها بأن أبناء الجامعة المضطهدة أقدر من أبنائها على الظفر بالدرجات العالية.
وفي ذلك العهد كانت دار الجامعة هي الموئل لكبريات الحفلات، ففيها أقيم الاحتفال بذكرى الشيح محمد عبده، مع أن الأزهر لم يحتفل بتأبين ذلك الإمام الجليل. وفيها احتُفل بتأبين فتحي باشا زغلول وعثمان باشا غالب، وفيها احتُفل بذكرى رينان، وفيها ألقيت عمرية حافظ إبراهيم وعلوية محمد عبد المطلب، وعلوية عبد الحليم المصري
وفي ذلك العهد. . . ماذا وقع في ذلك العهد؟
كان مجلس الجامعة المصرية ينتظم أكابر المصريين، وكان هو المكان الوحيد الذي يجتمع فيه أولئك الأكابر في أمان من الرقباء، وفيه تألف الوفد المصري برياسة الزعيم سعد زغلول.
ألا تكون هذه الناحية الخطيرة جانباً من رسالة الجامعة في عهدها الأول؟