للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

وفاة الأستاذ محمود حسن زناتي

قُبض إلى رحمة الله صديقنا المغفور له الأستاذ محمود حسن زناتي في صباح يوم الأربعاء الماضي في (ناي) من قرية القليوبية، وكان أخواله آل عطية قد نقلوه من القاهرة إلى ديارهم حين تبلغت به العلة واحتاج إلى رعاية الأهل وعناية القربى.

أصيب هذا الرجل الفاضل بالفالج النصفي منذ ثلاث سنوات فأنقطع عن الناس وانقطع الناس عنه وكان بطبعه ألوفا ودوداً يحب الخلطة، ويعشق الحديث، ويسأل عن صاحبه إذا غاب، ويزوره إذا حضر، وكان أشق عليه من مرضه أن ينعزل عن العالم في مسكن نابي الفراش موحش الجوانب، يظل فيه النهار، ويبيت به الليل، قلق الو ساد موجوع البدن لا ينعم فيه بحنان الولد ولا عطف القريب، ولا يطرقه عليه إلا جار كريم أو صديق قديم.

درس زناتي في الأزهر، وتتلمذ على أستاذنا العالم الناقد سيد بن علي المرصفي، وعلى شيخنا اللغوي الحجة محمد محمود الشنقيطي.

وكان أثيراً لدى الرجلين، يزورهما في البيت، ويلزمهما في الجامع، ويصحبهما في الطريق ويروي عنهما الأشعار والأخبار والطرف، ثم عين مصححاً في المطبعة الأميرية فقضى بها ردحاً من الزمن حتى انتقل القسم الأدبي منها إلى مطبعة دار الكتب فأنتقل معه. ثم أختاره المرحوم احمد زكي باشا ليكون أميناً للمكتبة الزكية التي وقفها وجعل النظر فيها لوزارة الأوقاف، وكانت يومئذ بقبة السلطان الغوري. فلما فصلت عن وزارة الأوقاف ووصلت بدار الكتب انتقل موظفاً بديوان الوزارة؛ ولكن العمل الجديد لم يرضه ولا بيئته ولا بطبيعته فطلب الإحالة على المعاش فأحيل. ومنذ يومئذ تفرغ للأدب فأخذ يزجي فراغه نظم الشعر واقتناء المخطوطات ونشر الكتب. فمن الكتب التي نقحها وعلق عليها ونشرها، مختارات ابن لشجري والمفضليات للضبي، ثم الجزء الأول من الفصول والغايات للمعري، ثم انتهى أمره إلى هذه العلة الفادحة فكابد من وصبها ما كابد حتى أختار الله له ما عنده. تغمده الله برضوانه ورحمته، وأنزله منزلة الأوفياء من فسيح جنته.

في ذمة الله يا زناتي:

أيها الراحل الكريم سلاما ... آه لو كنت تستطيع الكلاما!

<<  <  ج:
ص:  >  >>