[من مشاهد دجلة في الشتاء]
للأستاذ محمد بهجة الأثري
ويومٍ ببغدادَ في شَتْوَةٍ ... كما تلسَعُ العقربُ الشائلهْ
فليس الدثارُ يقي بردَها ... ولا النارُ مشبوبةً هائلهْ
ترى المرَء يَصْلى بكانونها ... وتأخُذُه رجفةٌ خاذلهْ
لمحتُ بدجْلَةَ فيه أمْرَءًا ... تجرَّدَ كالإِبْرَةِ العاطلهْ
فطوراً يُكِبُ على جسمه ... كما تَرْحَضُ الرَّيْطَةَ الغاسلهْ
وطوراً يعومُ بتَيّارها ... كما انْسابتِ الحيَّةُ الوائلهْ
يغوصُ كما الصخر يُلْقى بها ... إلى أنْ تَظُنَّ بهِ النازلهْ
فيطفُو على مَتْنها جائِلاً ... شبِيهَ الحَبَابِ طَفَتْ جائِلهْ
تَفَنَّنَ في عَوْمِهِ جاذِلاً ... كراقصةٍ رقصةً جاذِلهْ
نظرتُ إليه وبي دهشةٌ ... كما يَجِمُ القلبُ في الآزِلهْ
تعجَّبْتُ منه ومن حالتي ... ولي حالةٌ عكسه حائلهْ
حرامٌ عليَّ سوى فائِرٍ ... من الماء في القيظِ في القائِلهْ
تعجَّبتُ منه ولو راءني ... لَقَهْقَهَ قهقهةً هازلهْ
كلانا عجيبٌ. فسُبْحانَ مَنْ ... برا الناسَ شاكِلةً شاكِلهْ
ترى خَلْقَه ظاهراً جائراً ... وباطنه حكمةٌ عادِلهْ
تدِقُّ عن الفهم أسرارُها ... وإنْ بَلَغَ الرتْبَةَ الكامِلهْ
هو الكونُ أحْجَّيةٌ أعجزتْ ... بنى الأرضِ قافلةً قافلهْ
عَلَوْاً لُجَّهُ الغَمْرَ من آدَمٍ ... وغاصُوا وما عَرَفُوا ساحلهْ
بدائعُ دَلَّتْ على مُبْدِعٍ ... وأَعْظَمُها القوّةُ العاقلهْ
فلا يَزْعُمَنْ جاهلٌ فِطنةً ... فَيَجْحَدَ من جهله جابِلَهْ
ألا إنما العقلُ مُسْتَبْصِرٌ ... فهل ينزِع النزعة الجاهلهْ؟!
(بغداد)
محمد بهجة الأثري