في بعض اللحظات لحظات الكفاح المرير الذي كانت الأمة تزاوله في العهد الذي مات. . كانت تراودني فكرة يائسة، وتلح على إلحاحا عني. . أسأل نفسي في هذه اللحظات. . ما جدوى أن تكتب؟ ما قيمة هذه المقالات التي تزحم بها الصحف؟ أليس خيرا من هذا كله أن تحصل لك على مسدس وبضع طلقات، ثم تنطلق تسوي بهذه الطلقات حسابك مع الرؤوس الباغية الطاغية؟ ما جدوى أن تجلس إلى مكتب، فتفرغ حنقك كله في كلمات، وتصرف طاقتك كلها في شيء لا يبغ إلى تلك الرؤوس التي يجب أن تطاح؟!
ولست أنكر أن هذا اللحظات كانت تعذبني. كانت تملأ نفسي ظلاما ويأساً. كانت تشعرني بالخجل أمام نفسي. خجل العجز عن عمل شيء ذي قيمة!
ولكن هذه اللحظات لحسن الحظ لم تكن تطول. كان يعاودني الأمل في ورقة الكلمة. كنت ألقي بعض من قرءوا لي مقالا، أو أتلقي رسائل من بعضهم، فأسترد ثقتي في جدوى هذه الأداة. كنت أحس أنهم يتواعدون معي على شيء ما. شيء غامض في نفوسهم، ولكنهم ينتظرونه، ويستعدون له، ويثقون به!
كنت أحس أن كتابات المكافحين الأحرار لا تذهب كلها سدى، لأنها توقظ النائمين، وتثير الهامدين، وتؤلف تياراً شعبيا يتجه إلى وجهة معينة، وإن لم تكن بعد متبلورة ولا واضحة. . ولكن شيئا ما كان يتم تحت تأثير هذه الأقلام.
ولكنني مع هذا كنت أعود - في لحظات اليأس والظلام - لأتهم نفسي. كنت أقول: أليس هذا الإيمان بقوة الكلمة تعلة العجز عن عمل شيء آخر؟ ألا يكون هذا ضحكا من الإنسان على نفسه ليطمئن إلى أنه يعمل شيئا. وليهرب من تبعة التقصير والجبن؟
وهكذا كنت أعيش طوال فترة الكفاح الماضية. . حتى شاء الله أن يطلع الفجر الجديد، وأن تنكشف الغمة المعتمة، وأن يتنفس الناس الهواء النظيف الذي حملته الثورة، وأن يصبح هذا الصراع ذكرى يضمها التاريخ في ثناياه. .
واليوم خطر لي أن أرجع إلى بعض القصاصات التي تحو بعض ما كنت أكتب في ذلك العهد الرهيب. .