لقد حل الإسلام عند ظهوره ما كان بين الشرق والغرب من حروب أكرم حل، فلم يرض أن يكون ذيلا لكتلة من الكتلتين المتخاصمين عند ظهوره، بل وقف منهما موقفا كريماً، ودعا كلا منهما إلى ألفة جامعة، وسلام شامل، ليحل الوئام محل الخصام، وتهنأ البشرية بعهد صفاء وسلام، وما كان له أن ينضم إلى إحدى الكتلتين، لأن كلا منهما آثما في حربه، لأنه لم يكن يبغي به خيرا لبني الإنسان، وإنما كان يبغي به التحكم والسيادة على العالم، فلم يكن الفرس يبغون من حربهم إلا أن يسود الشعب الفارسي على غيره من الشعوب، ولم يكون الروم يبغون إلا أن يسودوا أيضاً على غيرهم، ولم تكن هذه الغاية في شيء مما يدعوا إليه الإسلام، لأنه أتى لخير الإنسانية عامة، ولم يكن يسعى في بسط سيادة العرب الذين ظهر أولا بينهم، وكان لهم فضل السبق إلى الإيمان به، وشرف الجهاد في سبيله.
وهاهو ذا التاريخ يعيد الآن نفسه، وتقوم فيه كتلتان تتنافسان في السيادة على العالم: كتلة شعوب أوربا الشرقية بزعامة روسيا، وكتلة أوربا الغربية بزعامة أمريكا وإنجلترا. وقد كانت ألمانيا قبل هذا تنازع إنجلترا وفرنسا سيادتهما على العالم، وكانت روسيا على عهد قياصرتها تحالف إنجلترا وفرنسا على ألمانيا، وقد قامت في هذا حربان عالميتان كانت ألمانيا تظهر فيهما على هذه الكتلة المتجمعة عليها، وكانت أمريكا حين ترى إنجلترا توشك أن تنهار تتعصب لها بحكم اتفاقهما في الجنسية؛ فتحارب ألمانيا بجانبها، وتنصرها عليها بما تملك من مال ورجال.
فلما ذهبت ألمانيا من الطريق انتقل الخلاف على السيادة على العالم بين الكتلتين السابقتين، وإذ كان خلافا على هذه السيادة فهو خلاف لا يراد منه خير للإنسانية في مجموعها، وإنما تنظر الكتلة التي تتزعمها روسيا فترى أن أميركا وإنجلترا وفرنسا قد بسطت سيادتها على العالم، واستولت على كل شيء فيه بسلطانها ورؤوس أموالها، فأخذت تعمل على زعزعة ذلك السلطان القوي، ليحل سلطانها محله، ويكون لها السيادة على العالم بدل أمريكا وإنجلترا وفرنسا، ولما نظرت الكتلة التي تتزعمها أمريكا وإنجلترا إلى ما تحاوله روسيا،