قابلتها عداء بعداء، وصارت كل منهما تستعد لحرب الأخرى، وتحاول جر العالم إلى حرب لا يعلم عاقبتها إلا الله تعالى.
وكما يعيد التاريخ نفسه مع تينك الكتلتين يعيده أيضاً مع المسلمين، فإنهم يقعون الآن فيما وقع فيه العرب بين كتلتي الفرس والروم، تتنازعهم كل من تينك الكتلتين المتنازعتين، وتحاول استخدامهم في تلك الحروب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولا يعود عليهم منها فائدة من الفوائد، وقد وقف المسلمون في الحربين العالميتين السابقتين موقف العرب بين كتلتي الفرس والروم، فحارب فريق منهم بجانب إنجلتراوحلفائها، وحارب فريق منهم بجانب ألمانيا وحلفائها، ولم يكن لهم مصلحة في تينك الحربين، بل كانوا فيها ذيولا لغيرهم، فلم يستفيدوا منهما شيئاً لأنفسهم، بل صارت حالتهم بعدهما إلى أسوأ مما كانوا عليه قبلها.
ولم يجن عليهم هذا إلا تفرقهم واختلاف كلمتهم، وإلا انقسامهم إلى فريقين يقف كل منهما موقف التابع الذي لا رأى له في الكتلة التي انضم إليها، فكانوا يساقون في كل من تينك الحربين سوق الأنعام، وكانت الحرب تأكل ما تأكل من أنفسهم وأموالهم، فإذا جاء وقت الصلح لم يدع أحد منهم ليجلس مع المصطلحين جنبا لجنب، كما كان يقف بينهم في الحرب جنبا لجنب، بل يتم الصلح على حسابهم، ويتفق المتحاربان على تقسيم بلادهم بينهم، ومن هان على نفسه هان على غيره، كما قال بعض الشعراء:
وأكرم نفسي إنني إن أهنتها ... وحقك لم تكرم على أحد بعدى
فيجب أن ينظر المسلمون الآن إلى موقف الإسلام عند ظهوره بين كتلتي الفرس والروم، فيقفوا موقفا كريما بين كتلتي أوربا الغربية والشرقية، ويعيدوا موقفه النزيه بين الدولة الفارسية والدولة الرومية، ويعملوا على تجنيب العالم ويلات الحروب بعد تفاقمهما بكل ما في وسعهم، فيكون موقفهم بين الكتلتين موقف الداعي إلى السلام، والوسيط الذي يسعى في خير الفريقين، لينهى ما بينهما من نزاع بالوسائل السلمية، ويجمع كلمتهما على ما فيه الخير للإنسانية، فإن أمكنه ذلك رفع من شأن نفسه الفريقين، وكسب لبلاده مالا يكسبه بوقوفه ذيلا لهما، وبانقسامه إلى فريق يؤيد إحدى الكتلتين فيما تريده لنفسها، وفريق يؤيد الكتلة الثانية فيما تريده أيضاً، وينسى كل منهما في هذا مصلحة نفسه، ولا ما يجره هذا