لقد جنى المسلمون من تفرقهم في عصرنا على أنفسهم جنايات لا حصر لها، وقد استفاد كل خصم لهم من تفرقهم ما لم يكن ليستفيده لو استعانوا عليه باتحادهم، وكان آخر ما جنوه بتفرقهم وأقساه ما حصل لهم في حرب فلسطين، فقد مكن تفرقهم لفئة قليلة من اليهود أن تنتصر وقد كان النصر منهم قاب قوسين أو أدنى، فانقلب النصر إلى هزيمة وصارت فلسطين لليهود دون من اختلف عليها من فريقي المسلمين، ولو أنها كانت لواحد منهم لكان هذا أكرم للإسلام، وأنفع للمسلمين، ولكن أين من ينظر إلى هذا منهم وما سيترتب على هذه الشوكة التي وضعت في جنبهم، ولا يدري إلا الله عواقبها على دولهم.
وأين هم من معاوية بن أبي سفيان، وقد طمع فيه قيصر الروم، وأراد أن يستغل فرصة الحرب التي وقعت بينه وبين علي ابن أبي طالب، فأرسل إليه يطلب منه أن يدفع جزية له، فلم يكن من معاوية إلا أن يرسل إليه أن يكف عنه، وإلا اتفق هو وابن عمه عليه، واجتمعا على حربه، فكف قيصر عنه، وكان لهذا الجواب الحازم أثره على نفسه
فقد رأى معاوية في هذا أن علياً أقرب إليه من قيصر، فإذا طمع قيصر فيه كان عليا على ما بينهما من العداوة أولى بأن يسلم الأمر إليه، وأحق من قيصر بأن يدخل في حكمه، لأن قيصر أجنبي: وعلي ابن عمه، ومن قريش قومه.
ولكن معاوية كان معاوية، ومن لنا اليوم بمثله في عقله وحصافته؟ ولقد وضع الأمر في نصابه حين وازن بين علي وقيصر، فأني به على حقيقته، ولم يتمسح فيه بما نتمسح به الآن من نزعة دينية، مع أنه كان أقرب إلى الدين منا، ولكنه رأى أن الأمر بينه وبين علي لا يعدو أن يكون نزاعاً على الحكم، ولا علاقة له بأمر الدين.
أما نحن فنتخبط اليوم في أمورنا خبط عشواء، فتحاربنا إنجلترا وفرنسا وغيرهما من أمم أوربا حرباً عنصرية لا دينية، يراد منها فرض سيادة الغرب على الشرق، ويجتمع أبناء الشرق من مسلمين ومسيحيين على مقابلة هذه الحرب العنصرية بمثلها، فيأبى بعضنا إلا أن يجعلها حرباً صليبية، ولا يبالي بما يحدث هذا في نفوس من يشاركنا في هذه الحرب من إخواننا المسيحيين، وهم الذين فهموها على حقيقتها، لأن أوربا طلقت المسيحية من يوم أن نهضت نهضتها، ففصلت بين السياسة والدين، وتوجهت إلى الشرق تستعمر أهله على