كان من توفيق الله - تباركتْ أسماؤه! - أن ألتفت إلى الأدب العربي في السودان، فقد تلقيت وتلقّى الأستاذ الزيات رسائل كثيرة تشهد بأن ذلك الالتفات صادفَ هوىّ في أفئدة أهل الغيرة على الأدب في ذلك القُطر الشقيق
ومن الحديث المعاد أن أقول: إن المصريين والسودانيين إخوة، ولكن يجب أن نعترف صراحةً بأننا فرّطنا في حق تلك الأخوَّة، فلم نؤدّ لها كل ما يجب من التعهد والرعاية، ولم نبذل في سبيل إعزازها جهداً يستحق التسجيل
ويزيد في الأسف على ما وقع من التفريط أن البرّ بأشقائنا في مصر الجنوبية لم يكن يكلفنا عَنتاً لو أردناه، فالسودان قريب وجوّه مقبول في أكثر الفصول، والاتصال بأهله يفتح أمام قلوبنا آفاقاً جديدة من المعاني الأدبية والروحية، لأنهم يغارون على العروبة غيرةً لا يعرف صدقها إلا من عرف بعض رجالهم الأمجاد، ولأنهم حفظوا عهد الإسلام في أوقات قلّ فيها المؤمن الصادق والمرشد الأمين
ومن المؤكد أن السودان قادرٌ على المشاركة الجدية في إحياء الأدب العربي، فلأهله الأماجد ماضٍ مجيد في خدمة اللغة العربية وإن جهله الأكثرون، ولشبانه في هذا العهد مطامح وآمال، وقد يقدرون بعد قليل على الظفر بمنازل أدبية يصل صداها إلى جميع الأسماع بالبلاد العربية
في السودان تطلُّع شديد إلى الاستفادة من تقدُّم العلوم والآداب في العصر الحديث، ولهذا التطلع سنادٌ مما ورث أهله من معارف العرب القدماء. وإن دام هذا الحال وسيدوم، فلن يمضي إلا زمن قليل حتى يصبح للخرطوم وأم درمان مكان بين العواصم التي تحمل مشاعل الثقافة العربية من أمثال: القاهرة والقدس ودمشق وبيروت وبغداد. . .
أغلب أهل السودان من أرومة عربية، فغيرتهم على العروبة غير طبيعية. يضاف إلى ذلك مُقامهم في بقاع توصف عند القصد في الوصف بأنها الشؤون الذي تذرف ماء النيل، وهو أكواب من التِّبر المذاب
كان من الخطأ البيّن أن نترك أمر التفكير في السودان لرجال السياسة، وهم قومٌ لا يلتفتون