للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خسرو وشيرين]

في التصوير الإسلامي

للدكتور محمد مصطفى

- ٣ -

تنقل الحبيبان ومن معهما من أفراد الحاشية والجواري والخدم من مكان إلى آخر، فوق الهضاب المرتفعة وفي السهول وبين المراعي والحقول، وهما في رحلتهما إلى الريف ببلاد أرمينية، يلهوان بالصيد والقنص وأنواع التسلية والملاهي الأخرى، حتى وصلا إلى شاطئ نهر آراس، حيث تنبعث من الأرض رائحة المسك والطيب، ويجلب الهواء معه عطور الورود والرياحين وشذى الزهور والياسمين، فطاب لهما في هذا المكان المقام، وأمراً بضرب الخيام. وهناك أقام خسرو مأدبة ثانية لحبيبته شيرين، استمعا فيها لألحان (باربد) وموسيقى (نيكيسا) وهما يرددان أناشيد الغرام فينطقان بما ينبض به قلب كل من الحبيبين من عواطف ووجد وهيام.

وفي صبيحة اليوم التالي لهذه المأدبة، جلس خسرو إلى جانب شيرين أمام إحدى الخيام، وإذا بأسد جائع ينقضّ عليهما والشرر يتطاير من عينيه، يريد أن ينال من خسرو كأنه يحقد عليه الاستئثار بشيرين الحلوة الجميلة. فقام إليه خسرو وهو اعزل من السلاح، وتهيا ليقابله في معركة حياة أو موت، بينه - وهو ذلك الملك المتوج على شعب إيران العظيم - وبين هذا الأسد الجائع - وهو ملك الوحوش اجمع وسيد الصحارى والبراري - فتلقاه وقد شمَّر عن ذراعيه ليدافع عن حبيبته.

ووهبه الحب قوة على قوته، فامسك الأسد بيده اليسرى من لبدته، ثم هوى على أم رأسه بضربة شديدة من قبضة يده اليمنى كانت هي القاضية عليه. وقد حدث ذلك كله في طرفة عين دون أن يجد الحارس الواقف على مقربة من الخيمة الوقت الكافي ليهجم على الأسد ويشج رأسه بسيفه. وكانت شيرين قد هرعت إلى باب الخيمة ووقفت به، تنظر إلى (المعركة) واجمة خائفة أن يصيب الأسد خسرو بسوء، ولكنها عندما رأته ينتصر عليه، ازداد إعجابها بحبيبها واعتدادها به.

<<  <  ج:
ص:  >  >>