للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الاجتهاد في التشريع الإسلامي]

للأستاذ محمد سعيد أحمد بك

باب الاجتهاد لا يزال مفتوحا

لقد أخطأ من قال إن باب الاجتهاد قد أقفل بعد الأئمة الأربعة فقد أباح القرآن الاستنباط صراحة وهو الأصل الذي بنى عليه مبدأ اجتهاد المسلمين في وضع أحكامهم - وقد كان اجتهاد الصحابة شائعاً في عصر الرسول - وقد قررت المجالس المكونة من علماء الصحابة والتي أنشأها الخلفاء كثيراً من الأحكام الجديدة. وقد أضاف التابعون كثيراً من الأحكام إلى ما قررت الصحابة. وهكذا كان كل جيل يقرر بكل حرية الأحكام بما يناسب حاجات وسائله الخاصة به والتي لم يسبق تقرير أحكام فيها. ثم ظهر الأئمة الأربعة في أفق الاجتهاد في القرن الثاني للهجري الواحد تلو الآخر وكان لكل واحد منهم رأيه واجتهاده بما لا يدع مجالا للشك في أن الإسلام أباح للعقل حريته وللفكر استقلاله في وضع الأحكام التي تناسب حاجات العصر الجديد - فلم يقتنع الإمام مالك بآراء سلفه الامامأبي حنيفة وكذلك الإمام الشافعي كان له رأيه في المذهبين السابقين، وأما الإمام أحمد بن حنبل فإنه أخرج للعالم الإسلامي - الذي كان متعطشاً دائماً للازدياد من العلوم - ثمرة اجتهاده الشخصي مستقلا عن أسلافه من الأئمة على وضع الأحكام لمواجهة حاجات العصر الجديد بل إنهم اجتهدوا في الآراء الفقهية واختلفوا فيها ولم يعتقد أحدهم أن الآخرين كانوا معصومين من الخطأ - فإذا كان هذا اعتقادهم في أنفسهم فكيف نستسيغ لأنفسنا أن نقول عنهم أنهم معصومون من الخطأ بعد مرور هذه القرون العديدة، فلم لا نضع من القوانين الجديدة ما يلائم الأحوال الجديدة. وواضح أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح باب الاجتهاد ولم يقل أحد بأنه أمر بأقفاله في وقت معين، كما أن الأئمة أنفسهم لم يقولوا بأقفال هذا الباب بعدهم ولم يحرموا على أحد اجتهاده ولم يقولوا أنهم معصومون ولم يذكر في أي كتاب من كتب الأصول أن اجتهاد الإنسان ممنوع بعد الأئمة الأربعة أو أن للاجتهاد حجة مثل حجة القرآن فلا يمكن الرجوع فيه. ولم يقل الرسول ولا الصحابة ولا المجتهدون أنفسهم بأن المسلمين ممنوعون من الاجتهاد في وقت معين؛ فالاجتهاد نعمة من نعم الله على المسلمين فهو المنفذ الوحيد لاستنباط الأحكام المناسبة للشعوب الجديدة التي دخلت في دين الإسلام

<<  <  ج:
ص:  >  >>