عاد أمير النوبة إلى (نباتا) بعد أن قضى سنوات طويلة في مصر، على زعم أنه يتلقى الدروس بجامعة (عين شمس) الدينية العظيمة، ولكن الواقع هو أنه قضاها في مغازلة وصيفات الإله (رع) الحسان، وما كاد الأمير يرجع إلى وطنه حتى شعر بحنين شديد إلى مصر، وطنه الثاني، فتذكر في حسرة شوارع منفيس الواسعة، وحوانيتها الفخمة، وبائعاتها الرشيقات، ومراقصها. . أما هنا في (نباتا) فكل شيء يضايقه: فقصر أبيه الملك لا يزيد شأناً على الأعشاش التي يقيمها بعض وجهاء المصريين - في المصايف - على شاطئ البحر، والنساء كلهن بدينات متزينات بالريش والودع، دميمات المنظر مثل (سحمت) الإله المصري الذي يلتهم المذنبين في العالم الثاني. . أما أصدقاؤه من النوبيين فكلهم خشن الطباع، يلتهمون الطعام بأيديهم في وحشة وقذارة. . إنه يؤثر عليهم العزلة ليخلو إلى خياله فيتذكر أصدقاءه المصريين المرحين في (عين شمس) الذين قضى معهم أياماً سعيدة في قصورهم الشامخة على ضفاف النيل. ما أبهج تلك الليالي التي قضاها معهم في احتساء (الجعة) اللذيذة المخصصة لقرابين الإله رع، والتي كانوا يحصلون عليها خفية!. أما النوبيون فكانوا لا يميلون اليه، بل كانوا يسخرون من عاداته التي اكتسبها من مصر، ويرمونه بالخنوثة. .
حقاً! إنآلام الأمير النفسية كانت شديدة، خصوصاً وهو لم ينس قط (تايا) الحسناء بنت معلمه الكاهن (منتو)، كم ود أن تصحبه هذه الفتاة إلى (نباتا)، ولكن ماذا يعمل أمام رفض والدها الكاهن وهو رجل يحافظ على التقاليد. لم يرض أن تتزوج ابنته من أجنبي دنس في نظر الدين. .
وبينما هو سابح في هذه الأحلام، يذكر هذه المناظر المصرية خلال الدخان المتصاعد من (غليونه)، إذا بأبيه الملك يدخل عليه فجأة فيقول: