كانوا قديماً يسمون شارع عماد الدين شارع الفن، وكان البعيد عنه يحسب أن فيه الفن حقاً، وما زالت تلك الصفة ملقاة عليه معروفة عنه حتى لأهله الذين يعرفون كل ما فيه. وقد كان جائزاً فيما قبل أن يسمى شارع الفن لأنه كان يضم بين جنبيه فرقتين أو أكثر تعملان وتجاهدان.
أما اليوم فماذا في شارع عماد الدين؟ فيه أربعة مراقص تلبس الإنسانية فيها أقبح الأردية. إي والله لم يعد فيه إلا المراقص تنمو وتتكاثر ويرتادها الناس وعلى المسرح السلام. .
الجمهور المثقف الذي يفهم أهمية المسرح ويقدرها قد جرى مع غيره في مجرى واحد من حيث جحود التمثيل وعدم المبالاة باحتضاره؛ وأصبح يجد في (الصالات) ما يكفل له تمضية السهرات دون حنين إلى المسرح المقهور أو شفقة عليه؛ حتى أصبح شارع عماد الدين وما حوله بقعة مجردة من الحياء، بعيدة عن روحانية الفن بعد الأرض عن السماء. . .
فهل انتهى بذلك تاريخ المسرح المصري؟ وهل انصرف أبطاله كل الانصراف إلى السينما حيث المجال المادي المربح؟. نرى هذا، ولكننا نأمل ألا يستمر؛ لأن للمسرح الحقيقي المثقَّف تأثيره في النفوس، والسينما قد تستطيع أن تحل محله، ولكنها لا تستطيع أن تكفي عنه كل الكفاية. فهو إذن ضروري، وهو لو نهض نهضة حقه سيقف إلى جانب السينما وتخلعها، وسيعيش وسيكون له شأن.
وأبطال المسرح المصري لا يزالون أحياء ولا تزال في نفوسهم الرغبة إلى محاولة الجهاد في سبيل النهوض به، ولكن يعجزهم المال، فيظلون فرادى لا جامع لكلمتهم ولا مستغل لمواهبهم. وحسب وزارة المعارف أن تهيئ (تكية) وتقيمها في دار (الأوبرا) شهراً أو شهرين من العام، وهذا عندها هو تشجيع التمثيل.
اجمعوا الجهود وقسموها إلى وحدات، فهذه للدراما وهذه للكوميدي وهذه للتراجيدي، تخلقوا جواً شريفاً للمنافسة وتروا نهضة جديدة للمسرح. . . وإلا فقد انتهى أمر التمثيل المسرحي حقاً، وأصبح (شارع الفن) بقعة موبوءة تظل تنحط وتنحط حتى لا يكون فيها موطئ لقدم