للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ضرورة الوحدة الأدبية بين مصر والسودان]

بقلم التيجاني يوسف بشير

لن يكون مثل الأدب يصوغ الأمم على أسلوب واحد، ويصنع منها عقلية واحدة، ويقيم أساس وحدتها على الروح، وبناء مجتمعها على العاطفة، ودعامة ألفتها على الجمال، وقاعدة إخائها على الصدق، وصرح كيانها على يقظة الشعور، فلا يتزلزل ولا يضطرب

ولن يكون مثل الأدب يوحد بين مشاعر الأمم، ويعين على توحيد المنافع، ويحقق من حلم الوحدة بما فيه من صور الفكر وجمال الفنون. ولا يمكن لها من ذلك إلا أن تعنى به فتوحد من الأساليب، وتوافق بين الإنتاج، وتقارب بين الأفكار ووجهة النظر إلى الكون والحياة، فمركز الأدب في وحدة الأمم مركز الفكرة في خلق الأدب، تؤسسه على القوة، وتبعثه على الجمال، وتنهضه على العاطفة، فيكسب من دقائقها في الصياغة والتعبير ما يأخذ على قاعدته الأمم فيهبها من دقائقه هو ما نأخذ به أفرادها على وحدة الشعور وجماعاتها على توحيد المصلحة. ولا أنفع لمصر ولا أجدى للسودان في سبيل وحدتهما الكبرى من أن يعني كلاهما بتقريب الفكر من بعضه، وتوجيهه بعد ذلك إلى منحى واحد، فتحقق الوحدة في كل شيء، ويستقيم لهما التواشج ويتم الامتزاج

فالأدب كان وما يزال أصدق ما يحمل إلى الفرد خصائص الفرد، وأقوى ما يعكس على الأمة مميزات الأمة، فيجمع بينهما في المشابه، ويوفق بينهما في الميول. وهو بما يدفع من جمال ويصور من لذة، وينقل من مثلٍ للاجتماع، وفروضٍ للإنسانية، وقوالب للحياة، إنما يقتضي بما فيه من قوة الإيحاء أن يوحد من نظام الحياة في الشكل كما وحد بينه في الدخائل. وما فرضت أمة أدبها على أخرى إلا كان معنى ذلك أنها تفرض عليها النظام الذي تسير عليه، وتعين لها الحياة التي تؤمن بها، والغرض الذي ترمي إليه. فإذا جاءت مقاييس الأدب عندهما بمقدار واحد جاءت على وفق ذلك مصاير السياسة وأقيسة الحكم. وإن أوربا الآن لتبلغ بأدبها في الشرق ما جعل كثيراً من خصائص الحياة الغربية موزعة عليه بأوفى قسط وأوفره. وما كانت لتبلغ هذا المبلغ إلا بما يقوم به أدبها من بث صور الحياة العقلية في العالم. وعلى قدر ما فرضت أدبها على الشرق فرصت سيادتها عليه، وعلى قدر ما سنت له من أقيسة أدبها ومعايير الجمال فيه، كانت سياسة الحكم تنصب على

<<  <  ج:
ص:  >  >>