الجامع الأزهر أول مساجد القاهرة، أنشأء جوهر الصقلي بأمر المعز لدين الله أول خلفاء الفاطميين في مصر وتم بناؤه سنة ٣٦١هـ، ومنذ ذلك الحين ظفر الأزهر بعناية الفاطميين جيلاً بعد جيل.
وكانت الغاية الأولى من تشييده إقامة الصلاة فيه، ولكن لم يمض على إنشائه وقت قصير حتى سأل الوزير يقعوب بن كلس الخليفة العزيز بالله في صلة رزق جماعة من الفقهاء، فأطلق لهم ما يكفي كل واحد منهم من الرزق؛ وأمر لهم بشراء دار وبنائها، فبنيت بجانب الجامع الأزهر، فإذا كان يوم الجمعة حضروا إلى الجامع، وتحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلى العصر، وكانت عدتهم خمسة وثلاثين رجلا، وكان لهم أيضا من مال الوزير صلة في كل سنة، كما كانوا موضع عطف الخليفة يخلع عليهم في عيد الفطر.
صار الأزهر منذ ذلك التاريخ من أهم مواطن الثقافة في مصر، ولكن التعليم قد اصطبغ فيه ولا ريب - بالصيفة المذهبية؛ فكان العفة يدرس فيه على مذهب الشيعة، وتقرأ فيه كتب هذا المذهب، من مثل كتاب الاقتصار الذي وضعه أبو حنيفة النعمان بن محمد القيرواني قاضي المعز لدين الله في فقه آل البيت، وكتاب دعائم الإسلام، وكتاب الأخبار في فضل الأئمة الأبرار له أيضا، كما كانت تقرأ فيه الرسالة الوزيرية، وهي كتاب الوزير ابن كلس في الفقة الشيعي على مذهب الإسماعيلية، وأفنى الناس بما فيه.
كانت الصبغة الدينية هي الغالبة على الأزهر، أما العلوم الفلسفية فقد نهضت بها دار الحكمة، وإن كان يبدو أن هذه العلوم أيضا كانت تدرس بالأزهر في حدود ضيقة؛ فقد كان الدعاة وهم أساتذة دار الحكمة يجلسون للتدريس في الجامع الأزهر أحيانا كثيرة، وكان داعي الدعاة يدرس فيه درسا خاصا للنساء.
ولست ادري إن كان غير مذهب الشيعة الإسماعيلية في الفقة وغيره قد وجد سبيله إلى الأزهر في الأوقات التي كانت تضعف فيها حدة الدعوة الإسماعيلية كما حدث في عهد الأفضل الأمامي المتسامح وزير الآمر، والعادل بن السلاء السنى وزير الظافر.