إن ما يحدث في الشرقين الأوسط والأدنى من الحادثات، ويقع فيهما من توليه أو عزل للحكام والحكومات، ويجري من السياسات، كل أولئك أمور يعتقد أناس كثيرون إنها جميعاً من تصرف الشرقيين وحدهم، وإنها لا اثر فيها لنفوذ غيرهم أو لدس أو سياسة من سواهم؛ لكنها أمور لا يستقل الشرقيون دائماً بالرأي فيها ضعفت الدول الشرقية أو تخلفت، بل يغلب أن تسببها وتلعب بها أيد صنُع أجنبية ظاهرة أحياناً وتارة خفية
وهذا مقال وجيز جاء بمثال أو أمثلة في موضوعه، فليس يزعم انه يبين جميع ما وقع لمصر بين فرنسا وإنجلترا من جراء تعاديهما، وطمعهما وتنافسهما الاستعماري؛ وإنما غرضه الإشارة الخفيفة إلى اثر ذلك التعادي والطمع والتنافس في بعض حوادث هذا القطر المتصل بالشرق الأدنى، والمنسوب إلى البلاد العربية بخلط في دم أهله، وبلغهم وتالد ثقافتهم.
طال العداء بين فرنسا وإنجلترا دهراً تحاربتا فيه حرباً عواناً، وخصوصاً لعهد حكومات الثورة الفرنسية الكبرى وإمبراطورية نابليون، بسبب المبادئ الثورية وأعمال أصحابها، والسيادة الدولية والبحرية، والتجارة والاستعمار. وقد ظلت إنجلترا في تلك الأيام تؤلب الدول الأوربية على عدوتها اللدود؛ ودخلت الحرب في الحلف الأولى على فرنسا بعد أن أعدمت لويس السادس عشر سنة ١٧٩٣؛ ولم تكف إنجلترا بعد انحلاله، بل بقيت تحارب، وألبت الحلف الثاني الذي تحطم، ثم أنهت حربه سنة ١٨٠٢ بمعاهدة أميان بينها وبين فرنسا.
فكانت إنجلترا في حرب مستمرة مع فرنسا يوم نزلت حملة بونابرت بأبي قير عام ١٧٩٨، ويوم أبحر عائداً إلى فرنسا، ثم تبعه الجنرال بليار قسم من الحملة في ٧ من أغسطس عام ١٨٠١ فتبعهما الجنرال منو في الشهر التالي بالقسم الباقي. وجاءت معاهدة أميان بعد ذلك بنحو نصف عام.
وكانت مصر على الدوام محسدة الدول التي سادت العالم القديم: لأنها كانت مركزه