الجغرافي، وإنها تمكن من السيادة على البحر المتوسط. ومفتاح هذه السيادة هو على الأصح تونس لوقوعها في منتصف البحر وإشرافها على شقيه الشرقي والغربي، وعلى صقلية ومضيق مسينا الفاصلين بينهما. بيد أن مصر أيضاً مشرفة على البحر المتوسط ومشرفة مع ذلك على البحر الأحمر، وهي منفذ إلى الهند ووصلة بين أفريقية وآسية، ومجاز إلى طرقها البرية. وقد اتجه نظر بونابرت إلى مصر منذ كان يحارب في إيطاليا حيث انتصر وعد انتصاره طالع سعده، ومنها كتب إلى تالران ١٧٩٧:(لن نلبث مليا حتى نحس انه ليس بد من أن نمتلك مصر لتحطيم إنجلترا). ولما عهدت إليه حكومته في الاستعداد لغزو الإنجليز شرع يستعد؛ غير انه وضع مشروعاً للاستيلاء على مصر، وشرح لحكومته ما تجنيه فرنسا من الثمرات إذا هي استبدلته بغزو إنجلترا فوكلت إليه قيادة الحملة وفتح القطر.
وملخص الأسباب التي شرحها بونابرت في إيثار مشروعه أن مصر أخصب أرض وثروتها الزراعية والحيوانية عظيمة؛ وإنها كانت هري رومة وهي يومئذ هري القسطنطينية، ومجمع القوافل الأفريقية والأسيوية، ومحل تبادل المتاجر الشرقية والأوربية؛ فإذا قامت فيها إدارة فرنسية خمسين عاماً يزيد عدد سكانها زيادة كبيرة، وتصبح سوقاً ومصرفاً لمصنوعات فرنسا، وإن حلول الفرنسيين بمصر يضر إنجلترا، ويمكنهم من السيادة على البحر المتوسط فيوطد الإمبراطورية العثمانية؛ وإذا كان الانهيار مقدراً عليها أخذت فرنسا أحسن حصة من سلبها؛ فإذا استعمرت فرنسا مصر، أو جعلتها مستودعاً للمتاجر أو موثباً تنقض منه فرنسا على مؤسسات الإنجليز في الهند، كان لها أن تستيقن بأنها سترد التجارة الكبرى إلى طرقها الطبيعية فتصل إلى الثغور الفرنسية، لأن فرنسا أحسن الدول الغربية الكبيرة موقعاً بالنسبة إلى مصر.
نزلت الحملة الفرنسية بإسكندرية في أول يولية عام ١٧٩٨، وأعلن الباب العالي الحرب على فرنسا في ٤ سبتمبر من العام نفسه، واخذ جيشين أحدهما في سورية، والثاني في رودس لطرد الحملة، فرأى بونابرت أن نزول جيش رودس من البحر لا يتيسر إلا في الصيف، فاثر أن يفاجئ الجيش البري قبل أن يتم احتشاده ليشتته في سورية ويفتحها كما فتح مصر؛ ومتى يقهر الترك ويجمع محاربين في صفه بالتجنيد من المسيحيين المنتشرين