(لاكرونيه ميناء على الساحل الشمالي الغربي من أسبانيا، ودفينها هو السير (جون مور) أحد كبار قواد الإنجليز في حرب شبه الجزيرة. وكان قد التقى بالفرنسيين عند هذا الموقع وهو يحاول الارتداد إلى الساحل يوم ١٦ يناير ١٨٠٩م فأنتصر عليهم وأوقف زحفهم. . . ولكنه أصيب بقذيفة من مدفع، ومات متأثراً منها في مساء اليوم نفسه. وقد احتفل الإنجليز بتشييعه - في منتصف الليل - احتفالاً صامتاً مؤثراً، ودفن تحت أسوار مدينة لاكرونيه. . .
أّمّا تشارلز وولف صاحب هذه القصيدة فهو شاعر أرلندي عاش بين عامي ١٧٩١ و ١٨٢٣م. ولم يعثر من شعره إلا على مقطوعات قلية؛ أهمها وأجودها جميعاً هذه القطعة التي كفلت - وحدها - لاسمه الشهرة والخلود)
مضيناً بجثمانه إلى القبر حثيثاً؛ فما دوَّى لطبلِ صوت، ولا ارتفع لترنيمةٍ صدى. . .
وأودعناه مقرَّه الأبدي في سكينة وهدوء لم يعكرهما جنديٌّ بمقذوف تحية، أو طلقة وداع.
كان ذلك والليل مظلم الرقعة حالك الجلباب؛ فما أضاءتْ لنا فيه إلا خيوط من شعاع القمر واهية، وإلا أقباس متضائلة من مصباحنا الخافت. . .
وقد أضجعناه بثوبه العسكري الذي مات فيه، فبدا كجندي يستجمّ بعد طول جهاد؛ ولم نُرِدْ أن نوشح صدره أو نلفَّ جثمانه في هذه الأسمال البالية التي يسمونها الأكفان. . .
كانت صلاتنا عليه قصيرة ومقتضبة، رتَّلناها في تأثر وإيمان؛ أما كلمات الحسرة والألم المألوفة في مثل هذا المقام، فما فُهنا منها بكلمة!!
لقد تعلقت أعيننا في سكون بهذا الوجه الشاحب؛ بينما اتجهت بنا الأفكار إلى الغد المجهول في مرارة وأسى.
كنا نفكر - ونحن نشق له لحده الضيق ونمهد له وساداً من التراب - في العدوِّ الذي سيطأ هذا الرفات الطاهر بقدميه؛ والأجنبي الذي سيمرّ فوقه ثانيَ عِطفِه. . . بعد أن نصبح نحن بمنأى عنه فوق أثباج هذا الخضَم الجائش!