ظهر في العدد - ٥٠٦ - من مجلة الرسالة الغراء مقال لبعض الفضلاء تحت عنوان - هل الاسكندر الأكبر هو ذو القرنين المذكور في القرآن، وقد أنكر فيه أن يكون ذو القرنين هو الإسكندر، وذهب في ذلك مذهباً يكفي في ظهور بطلانه أن لأدلة التي أتى بها لإبطال المذهب الأول تبطله أيضاً. ولا أضعف من مذهب تقوم أدلة صاحبه على بطلانه، فقد أنكر أن يكون ذو القرنين هو الإسكندر لأنه كان وثنيا، وذو القرنين بنص القرآن كان مؤمناً، ولأن ذكر القرآن لذي القرنين كان جواباً عن سؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن شخص لم يذكر اسمه، جاب الدنيا شرقاً وغرباً وكان له ملك عظيم، وهم يقصدون بذلك ما ورد في رؤيا دانيال أنه رأى كبشاً ذا قرنين، وقد فسر ذلك بمملكة فارس التي لم تكن ظهرت بعد، ثم رأى كبشاً ذا قرن واحد يهجم على الكبش ذي القرنين ويقتله، وقد فسر ذلك بملك من اليونان يظهر ويقضي على دولة الفرس؛ وعلى هذا يكون المقصود بذي القرنين دولة الفرس، وبذي القرن الواحد الإسكندر المقدوني
فالدليل الأول إذا أبطل أن يكون ذو القرنين هو الإسكندر يبطل أيضاً أن يكون هو دولة الفرس، لأنها كانت دولة وثنية غير مؤمنة. والدليل الثاني إذا أبطل أن يكون ذو القرنين هو الإسكندر، لأنه كان في تلك الرؤيا ذا قرن واحد، يبطل أيضاً أن يكون ذو القرنين هو دولة الفرس، لأن سؤال اليهود كان عن شخص لا عن دولة، والقرآن صريح أيضاً في أنه كان ملكا واحداً لا ملوكا متعددة. وحمله مع ذلك على دولة الفرس بمكان من التهافت، وهو أضعف ما قيل في ذي القرنين من الأقوال الكثيرة
هذا ولا شك أن رؤيا دانيال كما لم تقتض أن يلقب الإسكندر بذي القرن الواحد، لا تمنع أن يلقب بذي القرنين لسبب من الأسباب. وقد جاء في مجلة المقتطف أنه عثر على نقود مقرونة في عهده، فوجد فيها صورته والتاج بقرنيه على رأسه، ولا أدل من هذا على أنه كان معروفاً بذلك اللقب. وقد ذكر ابن العبري المؤرخ السرياني أن الإسكندر المقدوني هو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج، وأنه شرع بعده في بناء السد الأعظم بمدينة باب الأبواب، فوضع له أساساً عظيماً، وقد بحث عنه ملوك الفرس حتى عثروا عليه، وبنوا عليه ذلك