لم يكن باقياً من سنة ١٩١٣ سوى شهر واحد وبضعة أيام وقتما وصلت مصر قادماً من دمشق هرباً من مطاردة الحكومة إياي.
الليلة عيد، وأجراس الكنائس تدق، والناس بين داخل البَيع بوجوه تعلوها سيماء الرضى والإيمان، وبين خارج منها مسرع الخطى إلى الفنادق الكبرى والمنتديات الخاصة تطلعاً إلى الاشتراك في حفلات العيد.
كنت مع الماشين إلى النادي الشرقي وكأني منساق معهم إليه؛ ولما دخلته حسبت الناس ينظرون إلي نظرات الاستيحاش والاستغراب.
أهاجت فرحة الناس نفسي فتذكرت والدتي وأهلي وإخواني وقد خلفتهم في غير هذا البلد الذي كل ما فيه يناديني:(غريب)
تركت صحبي ومواطني هناك؛ تركت قلباً وذريات تتأجج نارها كلما طال البعاد، وما أحراها بالاضطرام ليلة العيد إذ ذهبت وحدي إلى ذلك النادي أقضي ساعات مع أناس يعرفونني ولا أعرفهم من أبناء الجالية السورية.
كان كل ما في النادي في تلك الليلة ينم عن المرح والحبور، وكنت الصامت المستوحش الساهم وحدي بين الجمع، لأني (غريب).
انقضت سنوات عدة كنت خلالها لا أنقطع عن زيارة النادي، إذ أصبح لي فيه إخوان وأصدقاء لا يقلون حباً لي ولا يقل تعلقي بهم وإخلاصي لهم عن أولئك الأصدقاء والأخوان الذين خلفتهم في دمشق.
زرت النادي في ليلة الأحد وأنا متأبط ذراع فتاة عرفتها فيه، وقد صارت لي زوجة، وصرت لها بكليتي، وعقدت حظها بحياتي، ووقفت على إسعادها وجودي، وأحسب أني كنت في تلك الليلة من أسعد الناس، وأوفرهم غبطة، وأحرصهم على تكييف كل شيء بالهناء المرفوف على نفسي؛ وحينما كان يطوف بذهني خيال والدتي وأنا وحيدها، وصورة شقيقتي المحبوبة كنت أحاول استهواء ذاتي وإقناعها بأن قد صار لي في امرأتي حنان كحنان الأم، وألفة كألفة الأخت، فوق حب الزوج لزوجه، بحيث أضحى محالاً أن يطوف