لجنة التأليف والترجمة والنشر، هي بلا ريب في مقدمة الجمعيات العلمية الحديثة، التي ساهمت - إلى حد كبير - في النهوض العلمي والإنتاج الفكري في الشرق العربي، الذي يقاسي فوق فقره المادي من أثر الاستعمار الأوروبي فقراً أشد فتكاً وأبعد خطراً، هو غزو اللغات الأجنبية له، فقامت هذه اللجنة في جهد الجبابرة، تنشر وتترجم وتؤلف بلسان عربي في مناح مختلفة في الفلسفة والعلوم والآداب والاجتماع.
والذي يحز في قلوبنا وينال من إحساسنا القومي، أن تنهض هذه الجمعية على أكتاف أفرادها، دون أن نمكن لها من مال الدولة أو الأمة بالقدر الكافي، أو ما يوازي على الأقل ما حصلت عليه الجمعيات العلمية الأجنبية مع ما فيها من مكمن الخطر التبشيري وما تحمله من نزعات الشر والكراهية لمصر والمصريين.
هذه الجمعيات قد منحت من أملاك الدولة، في الصميم من قلب المدينة وخير بقاعها، فضلاً عما تمدها به حكوماتها وشعوبها، بينما ترى مركز لجنة التأليف والترجمة والنشر، في ركن متواضع من أركان بيت ضج بالسكان، أو المرضى من الناس في شارع الساحة. هذا فضلاً عن حرمانها من امتيازات لو منحتها لدرت من أنواع الثقافات أفضلها وأعظمها قدراً.
وأذكر أن المرحوم ثروت باشا قد أشار إلى وجوب إصدار سلسلة معارف عامة تعين على ثقافة الشعب، فكانت هذه اللجنة هي أول من لبى أمنية وزير مصر الكبير.
وكان أستاذنا النابه (محمد فريد أبو حديد) أول من وقع اختيار اللجنة لرسالته كسلسلة معارف عامة في صلاح الدين الأيوبي. والمؤلف غني عن التعريف لولا ما تأخذنا به أصول التحليل والنقد. فهو أستاذ تخرج في المعلمين العليا، وفي مدرسة الحقوق المصرية، وتقلب في مناصب عدة في التعليم الثانوي، على أن هذه العناوين ليست كل شيء في