الرجل، فإن كثيرين قطعوا مراحل التعليم منفعلين لا فاعلين، ومروا بها مر امتحانات متأثرين لا مؤثرين، ولكن هذا الرجل وقد عاشرته عن كثب - تجد فيه الابن المصري البار الذي كلف نفسه حمل رسالة النهضة من وجهتين: أخلاقية وعلمية - ليؤديها إلى الناس في نفس كبيرة وجسم ضئيل.
وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام
أنظر إليه وهو يلقي عليك هذا السؤال في مؤلفه صلاح الدين ما الحياة؟ فانك لتستشف من جوابه على هذا السؤال ناحية أبية من نواحي النفس المصرية النادرة، أو قليلة العدد على الأقل، التي يغتبط بوجودها، بل ويفتقر إليها المجتمع المصري، وهاك جوابه:(أليست تلك الأنفاس التي تتردد في تلك الفترة المحتومة ما بين واجب البلاد وواجب الموت؟ ألا إنها فترة مملة مسئمة إذا لم يكن بها ما يهز النفوس).
ثم هاك كتابه وقد تناول بالبحث الشيق بطلاً من أبطال العالم الإسلامي تقف فيه على خير عصر من عصور التاريخ عانى من غشاوة الجهل والتعصب التي اكتنفت أوروبا في القرون الوسطى. وترى كذلك كيف تكون السياسة الحكيمة يمليها رجل الشرق فترتفع الحواجز وطلاسم الحياة التي بيننا وبين أية أمة بالغة ما بلغت من العظمة والسلطان، اسمعه يقول في تقدير صلاح الدين (والناس إذا تولى أمرهم عظيم تساموا إلى مستوى عظمته فأتوا بالعجب) وهاكم رجل الساعة مصطفى كمال مصداق لما ذهب إليه المؤلف الجليل. والكتاب في جملته وتفصيله حافز للهمم دافع للعزم الصادق في نفوس شباب طغت به مدنيات الاستعمار حتى ماع، وبهره سراب خلّب حتى هوى واستسلم إلا من عصم ربك، فبعث فينا من يعاني النظر في أمراضنا والبحث في وسائل علاجها.
ولولا مغالاة المؤلف في أسلوبه العلمي وتوخيه البحث على نمط مدرسي وهو يكتب للشعب، لكان مؤلفه قد بلغ الغاية وأوفى حتى انتهى إلى درجة الكمال. ولكم نشكره على جهده وما بذل في وسط كوسطنا المصري يعاني ذكرى مؤلمة لمجدنا السالف، ومحنة راهنة بسبب فقرنا العلمي.