استقبلت صباح اليوم وهو ينبلج عن عامل البريد يزدلف نحوي ويحمل بين أعطافه هدية ثمينة، بل منة خالدة من الأمير الأكبر (عمر باشا طوسون) تلك هي كتابه الذي طوق به جيد مصر وأسماه (يوم ١١ يوليه سنة ١٨٨٢) ولم أكد أتصفحه حتى ذكرت الأمير الأموي خالد بن يزيد بن معاوية مشرع الترجمة ومبتكرها في الأمة العربية وإبان فجر المدنية الإسلامية. ثم انتقلت بي الذاكرة إلى أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور وجالت في خيالي صورته وهو يهيب بالإمام مالك رضوان الله عليه أن يؤلف الموطأ فيأبى، ثم يرضى متأثراً بإلحاح المنصور. ثم يرسم له خطة التأليف حتى يقول إمام دار الهجرة لقد علمني المنصور التأليف.
ثم تذكرت الرشيد ومجالسه الأدبية وشعره الرقيق. وانتقل بي الخيال إلى المأمون وحدبه على العلماء وعلى العلم. وتفرده بكثير من مسائله ثم ذكرت قابوس بن وشكمير وشعره العالي الرصين، وعضد الدولة بن بويه، وسيف الدولة الحمداني، وأبا فراس بن عمه. وتلك الحلقة من الأدباء والشعراء والمؤلفين التي كانت تحف بهؤلاء الملوك والأمراء فتستمد منهم ومن مشاركتهم في الشعر والعلم روحاً تبعثها للأمة قوة ونهوضاً. ذكرت ذلك كله، وعهداً ساهم فيه الأمراءوالملوك في العلم. فكان عصر العلم وكان عصر النهوض. وعلمت أن مؤلفات الأمير هي تباشير الصباح، وبواكير النهضة العلمية في مصر وفي غير مصر.
. . وإنك لتواجهك الوطنية المخلصة في كل حرف من حروف كتاب الأمير الجليل حتى في اسم الكتاب، وفي مقدمته.
فاسم الكتاب يذكر باليوم المشؤوم. يوم الاحتلال. ومقدمته لا أصفها. بل أذكر فقرات من أولها. وأدعها توحي للقارئ بالغيرة على الوطن. وبالتفاني في حب مصر. فاستمع للأمير الجليل حين يقول.
(يقبل علينا شهر يولية في كل سنة فيذكرنا باليوم الأسود يوم ١١ يوليه ذلك اليوم الذي