أختص الرجال بالنبؤة دون النساء، وعد الرجال ذلك الاختصاص بطبيعة الحال بابا للتفاوت بينه وبين المرأة ومبرراً للتعالي عليها، ولكن المرأة، وأن لم تنل هذا الشرف في الأديان السماوية فأنها في الأمم الوثنية القديمة كمصر واليونان قد بلغت من تقدير الإنسان حد التأليه فعبدها السنين الطوال. . وأقام لها أبدع الهياكل وأجمل التماثيل والنصب، فكانت مثلا المعبودة ايزيس التي عدها قدماء المصريين رمزا للفضائل النسوية من حنان وشجاعة وصبر ووفاء، تنافس الآلهة الآخرين بوفرة قرابينها وكثرة قاصديها. وكذلك عبد افروديت وفينوس ملايين البشر من إغريق ورومان، إذ كانتا رمزاً لصفة مرغوبة في المرأة وهي الجمال، منبع الوحي والإلهام. والعرب الذين لم يقيموا التماثيل للمرأة لا في جاهليتهم ولا في إسلامهم جعلوها حلية في صدر قصائدهم التي لهاما للهياكل المصرية من جلال وفخامة وما للتماثيل الإغريقية من خلود وجمال، فجرت العادة أن يترنم الشاعر باسم المرأة في مطلع قصيدته وإن لم يكن الموضع موضع غزل وهيام، وذلك اعتراف بليغ بما للمرأة من أثر في عبقريتهم وفنهم.
والعالم الحديث يقدر ما في المرأة من قوة الوحي والإلهام بطريقة لا تختلف كثيرا عن طريق الأقدمين. ففي الفن مثلا تستخدم المرأة للتعبير عن العواطف السامية والمعاني الرقيقة فنرى، وات الفنان القدير يمثل الأمل في غادة فتانة تجلس على سطح الكرة الأرضية تحت سماء لا يبزغ فيها غير نجمة واحدة ترسل قبسا ضئيلا من الضوء، تحاول أن تعزف نغما على قيثارة ليس بها غير وتر واحد. . كذلك تشان يمثل الربيع بما فيه من حيوية متدفقة، وأمل باسم، وجمال فاتن في (فلورا) الشهيرة ذات الحسن الرائع. والمثال المصري (مختار) في تمثال نهضة مصر، يمثل مصر الحديثة التي أخذت تلقى جانبا أغلال الخمول بفتاة قروية ممتلئة جمالا ونشاطا ولم نذهب بعيداً في ضرب الأمثلة وبين