(من المظنون إن العبقرية لا تغيب طويلا عن (كرمة ابن هاني) فان البواكير التي تتفتح عنها قريحة حسين شوق في الشعر والقصص لابد أن تذكرها بمهبطها الاول ومألفها القديم. ولعلك واجد في هذه القصة الساذجة من رقة الحديث وخفة الأسلوب ما يبعث الأمل في هذا الظن)
إذا سقت إليك الحديث الآن عن كلبتى (بلوتا) فإنما هي حجة أصطنعها لأذكر فصلا من عهد الطفولة اللذيذة التي تنعش ذكراها النفس كأنما هي على حد تعبير المصريين القدماء: مكان رطب ظليل في يوم قيظ لافح. .
(بلوتا) كلبة إسبانية. حصلنا عليها في برشلونة أثناء المنفى، على سبيل الهدية. . وكان صاحبها من رجال السلك السياسي اضطرته المهنة أن يغادر إسبانيا الى بلد آخر بعيد، وكان يخشى ما تجره إليه بلوتا من متاعب أثناء الطريق، فرأى أن يهديها إلينا. .
قدمتنابلوتا بعد ظهر يوم من أيامالشتاء ضاح جميل، وكنا مجتمعين في الحديقة ننظر ذلك العضو الجديد في أسرتنا!
حقا! ما كان أجمل بلوتا بشعرها الأبيض الناصع ذى اللفائف المتعددة، لأنها كانت من النوع الذي يشبه الخراف في فروته. . .
وكانشعرها مقصوصا على شكل يحاكى لبدة الأسد، أرسلوه الى آخر الصدر ثم حلقوا النصف الباقي بالموسى. . وكان في عنقها طوق أحمر يبدو احمراره بين الخصل المكدسة من تلك الفروة القطنية. .
وكانت بلوتا في تلك اللحظة تمشى الهوينى في خيلاء وتيه كأنها تطلب منا أن نتأمل حسنها في أناة، أو ربما لم يكن في استطاعة المسكينة أن تمشى أسرع من ذلك لبدانة جسمها. . وقد سميت من أجل هذا بلوتا أي الكرة. .
وألفت بلوتا عشرتنا في أقصر مدة، حتى كانت تضايقنا بهذه الألفة. . إذ لم يعد في استطاعتنا أن نذهب الى أي مكان بدونها. وكان في إحدى ضواحي برشلونة متنزه جميل