لقد كان للأنباط ديانة مستقلة، لها آلهتها العديدون، وطقوسها الخاصة. وتدل النقوش والكتابات النبطية المكتشفة على الهياكل والآثار العديدة في بترا على أن الأنباط كانوا يعبدون الحية وبعض الأجرام السماوية. ففي طريق النبي هارون (الواقع بجوار بترا) لا يزال أثر الحية قائماً حتى اليوم بشكلها المخيف ورأسها المتفرع، وفي كثير من المعابد والمقابر، كأم الصناديق والصياغ وقبر الحديقة - وهي من آثار بترا الرائعة - رسوم عدة للثعابين والنجوم وما إليها. وقد وجد على بعض المعابد النبطية، في حوران، تماثيل وأسماء لآلهة كثيرة، كأموس، وأثى، وبعلمين، وفقرة وثيندارتيس اليوناني، وآلييت. أما أشهر هذه الآلهة فهو الإله (ديشوره) إله الشمس، وواهب السرور والخصب؛ وهو عبارة عن حجر أسود طوله أربعة أقدام ومقعده قدمان، ولا يزال موجوداً حتى الآن في مزار النبي هارون؛ والبدو هناك يحيطونه بكثير من التقديس والإكرام، ويعتقدون فيه القوة على شفاء بعض الأسقام. ويقدر المستر جون وايتنج ثمن البخور الذي كان يحرق في بترا في المراسيم الدينية بعشرة آلاف جنيه فلسطيني، وهي قيمة وإن كان في تصديقها مجال كبير للافتراض والشك، إلا أنها تدل على مقدار تغلغل الروح الدينية بين الأنباط. وذكر المستر ج. أدم سمث في مؤلفه الجغرافية التاريخية للأرض المقدسة ص٦٢٨: أنه قد بلغ من قيمة هذا الإله (ديشوره) أن أقيم له نصبان أحدهما في روما والآخر في بوتيولي
سيادة بترا التجارية
تقع بترا بحكم موقعها الجغرافي في نقطة تجارية عظيمة، وقد كانت حتى منتصف القرن الأول للميلاد نقطة التوريد والتصدير لمختلف البضائع الشرقية، ومركزاً لتبادل المتاجر المختلفة التي كانت تمر بها سائرة بين الجزء الجنوبي لجزيرة العرب، والهند، ومصر، وتدمر، وفلسطين. ولما قدم إليها الأنباط وسكنوها سعوا إلى تحسينها وترقيتها، فبنوا فيها