قال (بروكسي أتكنسون) الناقد المسرحي لمجلة النيويورك تايمس الواسعة النفوذ:
(على الرغم من أن الثقافة الأمريكية لا تلقي الاحترام الكافي في كثير من بقاع العالم إلا أن الأفلام والمسرحيات والكتب الأمريكية تلقى رواجاً واسعاً في تلك البقاع يعادل رواج البضائع والمنتجات الصناعية الأمريكية. فإن الروح التي تسيطر على معظم أسواق العالم).
ووضع الإنتاج الصناعي على قدم المساواة مع الإنتاج الفني والأدبي في الحضارة الأمريكية المعاصرة هو الوصف الصادق لروح الثقافة الأمريكية. ولو سلمت مع (هيجل) بأن الثقافة روحاً فإن للثقافة الأمريكية روحاً مادية تنتج الأدب والفن ليخدم الناحية العلمية في النشاط الصناعي، أو بمعنى آخر تجعل الإنسان في خدمة الآلة نسترقه فيتفانى في ماديتها على حساب النواحي الأخرى في النشاط الإنساني. والأمريكي يفخر بأن ليس للثقافة الممتازة مكان في سلوكه وفي أهدافه وما يصبو إليه من مجد ورفعة و (نجاح). وهذه النظرية البرجماتزمية هي المسئولة عن رواج أدب اللذة والمجون في أمريكا وسيطرته على عناصر الغذاء الفكري للقارئ. فالكاتب والفنان هناك لا يرتفعان عن ذوق السطحيين والذين من طبائعهم (عامية الذهن وسطحية الفكرة وسآمة الجد). وتاريخ الفكر في أمريكا لم يسمح للمثقف الممتاز الفنان الأصيل والعالم المتبحر أن يحتل المكانة والنفوذ والسلطة التي سمحت له بها الثقافات الإنسانية الأخرى.
ولذا فإن مساهمة أمريكا في الحضارة العالمية هي في الواقع مساهمة (صناعية) وليست ثقافية التقليدي المعروف. ولذا فليس للمستعير من الثقافة الأمريكية، مجال للاختيار فالبضاعة في مجملها بضاعة صناعية، اللذة والمجون جوهرها.
والأمريكي يكره السلطة بجميع أنواعها ثقافية كانت أو سياسية. ومن ثم أنكر الأمريكي على مثقفيه الممتازين أن يحتلوا مكان التوجيه فافتقرت الثقافة الأمريكية إلى المدارس الفكرية العميقة التي تتميز بها ثقافات الأمم. وأنكر الأمريكي على المثقفين الممتازين كذلك