لعل الأدب الإنجليزي أشد الآداب تحفظاً في المقال والتزاماً للوقار وعزوفاً عن المجون، فبينه وبين الأدبين الفرنسي والروسي، مثلاً، بون كبير في هذا المجال. وبعكس ذلك كان الأدب العربي الذي وسع من صريح العبارة عن ماجن القول وسفسافه ما لا يسيغه العصر الحالي؛ بل لم يكن يسيغه فضلاء العصر الذي قيل فيه، وذلك راجع للظروف المحيطة بالأدبيين.
فسيماء الوقار والتسامي التي تعلو الأدب الإنجليزي راجعة إلى ثلاثة عوامل رئيسية متشابكة هي: طبيعة الإنجليزي الهادئة، والتربية الإنجليزية التي تجعل غرضها الأول كبح نزعات الناشئ الجامحة وإلزامه ضغط النفس، وثالث العوامل هو الرأي العام القوي.
والرأي العام نتيجة للعاملين الأولين، ونتيجة أيضاً للنظام السياسي الديمقراطي الذي يجعل الأمر للشعب في كل مناحي الحياة، وهذا الرأي العام محافظ حريص على تقاليد الفضيلة يشهر الحرب على من يهم بخدشها، وهو من القوة بحيث لا يجسر كاتب أو شاعر أو ناشر على تحديه وإلا كان عليه الغرم المادي والأدبي، وقد ثار بالمستهترتين المتجاسرين على الدين والتقاليد أمثال بيرون وشلي فاضطرهم إلى مغادرة البلاد ولم يشفع لهم عنده نبوغهم ولا ما نالوه في غير إنجلترا من الصيت البعيد.
أما الأدب العربي فخالطته عوامل اجتماعية وسياسية جعلت اجتثاث جريء القول وبذيئه منه متعذراً: فهو قد ورث جفوة بداوته الأولى، وسرى إليه الفساد الذي تبع الفتوح واختلاط الأعاجم والموالي، وشجعت الحكومة الفردية المطلقة سريان هُجر القول بدل أن تدرأه، فكان من الخلفاء والأمراء من حرضوا على المهاجاة بين الشعراء، وأغضوا عن مجونهم ما داموا مشغولين به عن مناوأة سلطانهم، وأجازوا من وقعوا في خصومهم بقبيح الهجاء.
فالحكومة الفردية المستبدة قد حالت دون قيام رأي عام يقف للخارجين على تقاليده بالمرصاد، أو هي لم تَدَعْ لذلك الرأي العام السلطة أَو الهيبة الكافية لأن ينضح عن تقاليده، بل كثيراً ما حَمَتْ الشعراء الماجنين من غضبه. وهكذا الحكومة القائمة على أساس فاسد لا