للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

التعصب اللغوي بعد التعصب الجنسي

ظهرت في إيطاليا أخيراً حركة للعمل على تطهير اللغة الإيطالية من العبارات والكلمات

الأجنبية؛ وبطل هذه الحركة كاتب معروف هو السنيور باولو مونيلي، وقد أذاع دعوته في كتاب شديد اللهجة يدعوا فيه إلى تحرير اللغة القومية العريقة من ذلك السيل من الكلمات والعبارات الأجنبية (البربرية) ويعترف السنيور مونيلي بأن هناك كلمات أجنبية في دوائر الأعمال والرياضة يصعب الاستغناء عنها، ولكنه يرى أنه يمكن الاستغناء عن الكثرة الساحقة من الكلمات والعبارات الدخيلة التي تشوه جمال اللغة الإيطالية وتظهرها بمظهر القصور والفقر في حين إنها من أعرق لغات الأرض وأغناها.

وهذه الحركة التي يدعوا إليها الكاتب الإيطالي بالنسبة للغة الإيطالية ليست إلا طرفاً من الحركة العامة التي ظهرت من قبل في تركيا الكمالية وفي ألمانيا، ثم ظهرت أخيراً في إيران؛ ومما يلاحظ بنوع خاص إنها من أثار النظم الطاغية التي تسيطر على هذه الأمم وتمعن في فهم النزعة القومية وتدفعها إلى حدود التعصب الجنسي والعلمي. ففي تركيا تضطرم الحكومة الكمالية بنزعة بتعصب عميق نحو الإسلام ونحو اللغة العربية التي هي من أبرز مظاهره، وتبذل منذ بضعة أعوام مجهوداً عنيفاً لاستبعاد الألفاظ العربية من اللغة التركية مع إنها تكاد تتفوق فيها على العناصر التركية الأصلية، وإحياء الألفاظ التركية القديمة؛ بيد إنها مع ذلك تضطر إلى الاشتقاق من اللغات الأوربية بكثرة ظاهرة، مما يدل على أن الغاية الحقيقية ليست تحرير اللغة التركية من الألفاظ الأجنبية، بل قتل العناصر العربية فيها تحقيقاً لبرنامج الكماليين في محو كل آثار للإسلام والعربية من الحياة التركية الجديدة. وفي ألمانيا الهتلرية تجري حركة لاستبعاد الألفاظ الأجنبية وتطهير الجرمانية منها. وهذه حركة نستطيع فهمها، في أمة عظيمة كألمانيا ذات لغة عريقة محدثة، وإن كانت فكرة الهتلريين لا تخلوا مع ذلك من عناصر التعصب القومي والجنسي. كذلك أخذت إيران أخيراً تحذو حذو تركيا في حذف الألفاظ العربية من اللغة الفارسية؛ بيد أن حكومة الشاه تجري في ذلك هوادة واعتدال، وتؤكد للعالم العربي أنها لا تبغي سوى غاية لغوية ثقافية ترى تحقيقها بأحياء مجد اللغة الفارسية القديمة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>