للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بين الأستاذين]

أحمد أمين وزكي مبارك

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

قلت في مقالي السابق إن الدكتور زكي مبارك يجب أن يكون آخر من يدافع عن الأدب الجاهلي، وإنما قلت هذا لأنه هو وأستاذه الدكتور طه حسين لا يؤمنان بصحة ذلك الأدب، والدفاع عن الشيء لا يكون إلا بعد الاعتقاد بصحته، فقد ألف الأستاذ طه حسين كتابه (في الشعر الجاهلي) وكان أكبر جناية على أدب الجاهلية، إذ أنكر فيه صحة ذلك الأدب، وقلد في هذا الرأي أعداء الأدب العربي من المستشرقين، فلم يكن من الدكتور زكي مبارك إلا أن احتفل بظهور ذلك الكتاب، وعده فتحاً جديداً في الأدب العربي وقال في هذا من جريدة البلاغ الأسبوعي (٣ ديسمبر ١٩٢٦): (كان كتاب الشعر الجاهلي الذي ألفه أستاذنا الدكتور طه حسين فاتحة لعهد جديد في دراسة الآداب العربية، وحسبك أن ترجع إلى ما كتب في نقده من الرسائل المطولة، والأسفار الضخام، لترى كيف أثار ذلك الكتاب ما خمد من القرائح، وكيف أيقظ ما هجع من العقول)

والفرق كبير بين رأي الأستاذ طه حسين في الأدب الجاهلي ورأيي ورأي الأستاذ أحمد أمين فيه، فالأستاذ طه حسين يرمي في رأيه إلى الهدم والطعن في ثقة السلف ونحن نرمي إلى الإصلاح ونريد تقويم اعوجاج الأدب العربي، وهذه غاية نبيلة يكاد علماء الأدب يتفقون الآن عليها، لإجماعهم على أن الأدب العربي في حاجة إلى الإصلاح، وعلى أن إصلاحه يجب أن يكون من الناحية التي أشرنا إليها، حتى يكون أدب ألفاظ مزوقة ومعان خيالية لا طائل تحتها.

ومن الغريب أن الدكتور زكي مبارك يؤمن أيضاً بذلك الإصلاح، ويدعو إليه في كتابه (النثر الفني) ولكنه ينسى ذلك في حب التغلب على الأستاذ أحمد أمين، ويأخذ عليه تهوينه من شأن التشبيه وما إليه من المعاني الثانوية، ومما جاء في ذلك الكتاب: ونحن نرى أن سر الفصاحة والبلاغة يرجع إلى ما في المعنى من قوة وروح، وقد تجد من الشعر ما تخلو معانيه وألفاظه من الروعة الظاهرة، ولكن قوة الروح تصل به إلى أسمى غايات الإبداع، ومثال ذلك قول حِطَّانَ بن المُعَلَّي يشكو فقره، وما وضع القدر في رجليه من قيود الأهل

<<  <  ج:
ص:  >  >>