حديث يأبى أن ينقطع سلكه، إلا أنه منزَّه عن الفضول واللغو لطرافته ثم لتنوع مستطرداته. ووراء الأمر ظاهرتان: الأولى انجذاب نخبة من الأدباء والقراء إلى الجديد كأنهم يفطنون أن أعواد بعض أساليب الإنشاء القائمة الآن قد شظفت أي شظفٍ حتى إنها أمست تعجز عن حمل الثمر؛ أو كأنهم يلمحون في المذهب الرمزي بما قرءوا عنه - قلّ أو كثر - أداة فيها ما فيها من المتانة والاستقامة، وإن بدت ضرباً من ضروب الإفلات من قيود المنطق (الجليل) صاحب السلطان الأعلى في التأليف والتفكير. وأما الظاهرة الثانية فاستعداد القراء لتفهُّم مذهب لا يكاد يتصل بما ألفوه من الأدب العربي الحديث، فكلنا نشأ على قراءة التهزُّل الموضوعي عند المويلحي، والتصنع اللفظي عند البكري، والابتداعية حسب ترجمة الأستاذ الزيات) المفرطة حتى الإزعاج عند المنفلوطي. ثم قامت بعد ذلك طرائق، فكانت الطريقة التحليلية الواقعية في مصر، والطريقة التخُّيلية في المهجر
والظاهرتان دلالة على ارتجاج الذهنية الاتباعية، وشهادة لارتقاء شأن الاستحداث المطَّرِد في الأدب. فأبْشِرْ بهما!
يقول الأديب الفاضل السيد كامل الشرقاوي في الرسالة (رقم ٢٥٨ - البريد الأدبي)(والرمزية - بعد - في الأدب العربي (المستحدث) في أول الطريق، فالحديث ذو شجون ولازم على من يشقّون ويوسَّعون الطريق لها فيه أن يطيلوا الكلام والإبانة عنها للسالكين. وما أحرى الدكتور بشر في هذا المقام. . . أن يوالي مجلة الرسالة الغراء بمقالاته. . . عن الرمزية يوضح طرائقها ويترجم لزعمائها وقادتها ومدارسها منذ نشأتها إلى الآن توطئة لتأليف رسالة عنها بقلمه. . .)
إني أشكر للأديب الفاضل رقة كلامه وحسن ظنه بي. غير أني أرى غير رأيه. فالذي عندي أن المنشئ المنصرف إلى الاستحداث في التأليف يخرج ما يخرج ثم يقبل النقاد ينظرون فيه، ويُطلعون القراء على خصائصه، ويدنون لهم طريقته إن هي بعدت عما خبروه، ويسوقون لهم قصتها، ثم يبرزون لهم انحراف المنشئ من هنا وهناك عن تلك الطريقة إن هو قدر على أن يدسَّ فيما يكتب ما يشف عن شخصيته. هذا وإن ظفر إنشاؤه