لابد لنا من كلمة عن مذهب الشاعر في فنه، وطريقته الأدبية في بيانه، وفيما تقدم في شعره لإيضاح الرأي. ويمكننا أن نلمح ميزات ثلاث يتسم بها شعره، وتظهر مشتبكة متعانقة في قريضه، فلا تتخلف واحدة عن أختيها بحال، هذه الميزات الثلاث هي، صدق الأحاسيس، وقوة التعبير، وواقيعة التفكير.
فصدق الإحساس يخلع عن أدب الشاعر عاطفة قوية حارة، تشتمل وتتقد في سطوع وبريق، وتدفع صاحبها إلى الإجادة والتأثير، كما يكون لها سحر أخاذ في نفوس القراء، فما يكاد القارئ يتلو إحدى القصائد حتى ينفعل بانفعال ناظمها، ويسير في نياره حيث اتجه، وتصل الأبيات إلى القلب فتحرك كوامنه وتهيج أحاسيسه) وهنا يكون الأثر المنشود للأدب بوجه عام، والشعر بوجه خاص، بل أن الصدق ذاته يجعلك تحس في أعماق نفسك بخواطر متشابهة لما تقرأ، وكان الشاعر يعبر عن عواطفك انت، فقد سلط أشعته على قلبك، ونفذ إلى أغوارك فرأى الخوالج المستترة، والكوامن الموغلة، فجمع أشتاتها المتنافرةواتخذ منها مادة شهية لأدبه، وقد تكون خواطر الشاعر الصاد بعيدة عن شعورك ونبضك، ولكنك تجدها محببة أثيرة لديك وكأنك كنت تحسها قبل ذلك! وأمامك أبيات يقولها الجواهري: في رثاء بعض أصدقائه الشعراء، تجد فيها الكثير مما تحب أن تسمعه سواءأحسست به قبل ذلك أم بعد عن إحساسك فهو رائع خلاب.
أصخت لمن نعاك على ذهول ... كأني قد أصخت لمن نعاني
وكنت أحس أن هناك رزءا ... واجهل كنه حتى دهاني
لعنت اللفظ، ما أقسى وأطغى ... وما أعطى كل صور المعاني