الأخطار وتلك التيارات، بل أنها لتكاد تحدد أيضاً مكانة الحجاز جميعه، من العالم الإسلامي والعوالم المناهضة:(لا يترك بجزيرة العرب دينان)(أخرجوا يهود أهل الحجاز، ونصارى نجران، من جزيرة العرب)(أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)؛ كل هذه الأوامر قد كانت امتداداً لعزم الرسول (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع فيها إلا مسلماً) ولكن: يبدوا أن الرسول لم يجد الفرصة السانحة لتنفيذ تلبك الخطة الحكيمة، ويبدوا أيضاً أن أبا بكر كان مشغولاً في حروب الردة، وتنظيم الجزيرة، وتثبيت أقدام المسلمين بها، فلم تتح له فرصة التنفيذ هو الآخر حتى فعلها عمر ثم هبت الخلوف، ولا ندري متى؟
وبقيت وسيلة أخيرة، لتقاوم الاستبداد، من حاكم ظالم، أو جماعة ضالة، أو فرد متمرد. كمصدر من مصادر التعطيل، لم اعثر لها على نص خاص وأعتقد قبل الترجيح أن السبب في ذلك، هو تكفل كليات الفكرة الإسلامية مباشرة، بمقاومة هذا المصدر، في نظام الحكم، وفي تشريع الفئة الباغية، والمحاربون الله ورسوله والساعون في الأرض بالفساد.
وبهذه الوسائل الكلية والفرعية، والتوجيهية والتشريعية، والمقرة الواقية: لفريضة الحج وقواعده؛ تحفظ طبيعته حية، منتجة، محققة الأهداف. ذات كيان يلمسه الناس ويؤمنون بجدواه ولكن هذه الوسائل، يتوقف تنفيذها على كل مسلم، على وجدانه وعقله، وعلى يقينه وعمله، وعلى خضوعه للأمر الإلهي بالتطهير فالوسيلة الأولى، فإذا حدث وتدهورت طبيعة الحج بانهيار أساس من أساسه، أو وسيلة من وسائله، فسببه ليست الفكرةولا وسائلها؛ إنما هو عدم الاستجابة بالفهم واليقين والسلوك والعمل. إنما هو انهيار الوسيلة الأولىالمساعدة؛ إنما هو التقاعد والتقاعس، حباً في الحياة ولو ذليلة مهيضة الجناح مسلوبة القيم. . إنما هو النقص في الدين، آو الخروج عن الإسلام.