للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدكتور محمد إقبال]

فلسفته

معالم الاتفاق والاختلاف بينه وبين فلاسفة الغرب

للسيد أبو النصر أحمد الحسيني

إن أول مَن لَحِظَه التوفيق بين فلاسفة الغرب في أن يثبت بالدلائل القاطعة والشواهد الصادقة أن الإنسان لا يقدر على حل العقد المستغلقة والمعضلات الغامضة في هذه الكائنات بالعقل المجرد، هو الفيلسوف الألماني الكبير (كانت). وعلى هذا أثبت كانت عن طريق فلسفي ضرورة وجود الله ولزوم الإيمان به، وبرهن في مصنفه (نقد العقل العملي) على أن قواعد عقل الإنسان العملي ودعائم عمله ووطائد اختباره ثلاثة: حرية الإرادة، وخلود الروح، والإيمان. ووضح أن الإنسان لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن أعماله إذا لم يكن فيها بالخيار. لذلك كان (كانت) بكشف هذه الحقائق وأمثالها في عالم الفلسفة قد قام للإنسانية بخدمة عظيمة.

ونحن قد أبنا لك في المقال السابق أنه على حسب فلسفة إقبال أيضاً يكون لكمال الإنسان وتقدمه ثلاث دعائم: إحراز الغاية القصوى من الحرية والاختبار بنيل الأنانية العظمى، ونيل الخلود باتصاف الأنانية بحالة الجد المستمر، ثم بلوغ منزلة الخلافة الإلهية التي هي نهاية عليا لذلك الكمال والتقدم: فعلى هذا يتفق إقبال مع كانت في التصورات الثلاثة أساسياً، ويختلف عنه في أن ليس لدى كانت تصور الخلافة الإلهية. وأما تصور (كانت) الثالث وهو الإيمان فهو أساس جميع تصورات إقبال، لذلك لم يحتج إقبال إلى إثبات ضرورة وجود الله والإيمان به في فلسفته كما احتاج إليه كانت، ولأن مبدأ فلسفة إقبال الأنانية المتصفة بحالة الجد المستمر. وآخر الجد المستمر الإيمان كما هو أوله، لأن الإنسان لا يقدم على عمل ويستمر فيه إذا لم يك مؤمناً بنتيجته ونجاحه فيه، وكذلك إقبال لم يحتج إلى إثبات قانون أخلاقي خارجي كما احتاج إليه كانت في بيان نظريته الأخلاقية، لأن قانون الأخلاق عند اقبال ينجم عن ضروريات الأنانية الباطنية، فكل شئ يقوي الأنانية عنده خير وحسن، وكل ما يضعفها شر وقبيح؛ فكأن أنانية الإنسان المتصفة بالجد المستمر

<<  <  ج:
ص:  >  >>