عنده ضمنية لإنتاج ذلك القانون، فلا يحتاج إلى البرهان والدليل.
ويختلف إقبال عن كانت في أن اكتساب الحرية والاختيار ونيل الخلود والدوام في فلسفته ثمرة الجهد المستمر لا يفوز بها إلا الذي اتصفت أنانيته بتلك الصفة، أي الجد المستمر. فكل من رغب فيها وطمح ' ليها ينبغي له عنده أن يسعى لذلك بعزم وحزم لا يشوبها على الزمن خلل ولا وهن، وأما كانت فقد تصدى لفكرة الحرية والاختيار والخلود والدوام في فلسفته ليقول إن العدل جار في الكائنات وإنه يوجد فيها المطابقة بين الأعمال ونتائجها، وبين الأمور وعواقبها.
إن فلسفة إقبال فلسفة تفاؤل لأنه تخلق في الإنسان الأماني تتري، وتبعث فيه الهمة القصية المرمى، وتحفزه لبذل الجهد واستفراغ الوسع في تحقيقها بالمثابرة والمواظبة. فهي لذلك تخالف فلسفة التشاؤم التي كان أكبر أئمتها الفيلسوف الألماني شوبنهاور. كان شوبنهاور هذا متأثراً بأفكار البوذية الهندية، فنظر إلى العالم نظرة التشاؤم، وقرر أن حقيقة الكائنات القصوى هي الإرادة، لكنها لا تقدر أن تملك لقصدها مشمولاً خاصاً يمكن أن يعرض عملياً في الذهن، لأن كل مشمول مثل هذا يتعلق بخارجها. فلذلك تملك الإرادة الكونية لقصدها نفسها، أي هي تريد لأن تريد. هي تريد لأن تكون حقيقياً، فإن كل شئ حقيقي ليس إلا الإرادة الممثلة. فبهذا المفهوم سمى شوبنهاور تلك الإرادة (إرادة الحياة)، ورأى أنها جوهرياً شر، فإنها لا يمكن أن تقع؛ هي ألم. هي ألم غير القانع؛ وعلى هذا فالحياة حمأة الطموح الذي لا يشبع، وثورة التوقان الذي لا يقنع. لذلك كانت نهاية الإنسان دائماً في الشكوى، ولن يتم له حسن الحظ أبداً. ولكن إقبالاً يرى أن سوء الحظ وآلام الحياة أكثر فائدة للإنسان إذ بها تربى أنانيته وتدرب، فيطأ بها أعراف المجد، ويتسور شرفات الكمال؛ ثم شوبنهاور ينكر الفردية أي وجود الأشياء المنفردة أو (الإرادات المنفردة) كما يقول، ويرى أنها وهم تتوقف على الفروق الزمنية والمكانية، بينما أساس فلسفة إقبال هو الفردية.
أما من يوجد بين فلسفته وفلسفة إقبال معالم المشابهة وملامح المماثلة أكثر فهو الفيلسوف الألماني الكبير نيتشه. والمزية الكبرى لنيتشه هذا بين فلاسفة الغرب أن عبقريته صبغت الفلسفة بصبغة الإلهام، ولم تكتف في المباحث الفلسفية بانتقاد الفن، بل أتت للعالم بمقياس جديد للحسن والقبح، والخير والشر. وفلسفته ثمرة مزيج من أفكار كانت، وشوبنهاور،