ليس الشباب العمر ما أعني، وعمر الشباب كعمر الورود سرعان ما تبلوه الحياة بالأعاصير فيذوي!
ولا الربيع - شباب الطبيعة - وهو ما إن يرود برونقه النضر حتى تصّوحه لافجات السمائم!
ولا شباب الدول ذوات الحول والطول وهو مهما يطل لا بد له أن يدول! فالخريف كامن في أعقاب هذه جميعاً وإنما ثمة شباب لا يدركه الخريف: شباب لا يعروه الهرم ولا يدب إليه وهن الكبير.
شباب غيساني، أبدي السني والرواء، دائم الوضاءة والحسن، يعدو الزمن العصيب فما يطاوله بحدثانه، ويدور الدهر الحريب فما يديل من ريعانه!
شباب يزدري بسطوة العفاء، ويهزأ بعاديات الفناء، لأنه ينبض أبداً بمضاء القوة وعزة الحياة وزهو الخلود!
شباب شاخت الدول وباد منها ما باد ولم تدل دولته. واندرست جلائل المعالم كما عفت روائع الآثار وهو أبداً ريق الصبا يطاول بعزته السماء ويتحدى بخلوده الأزل!
ذلكم الشباب المؤبد هو شباب الفن الرفيع، شباب الأدب: يهرم الكون وهو غض وتبلى جدة الدهر، وهو زاه نضير، وليس كالأدب ما يتخطى هامات الأجيال بأبهةٍ وجلال، محتفظاً بسحره الأخاذ وروعته القدسية. وإن العلم ليتبدل من حال إلى حال، بل إن من نظرياته ما أنقلب رأسا على عقب بتقدم العصر وارتقاء الفكر، وإن ما كان يحسب فيه حقيقة ثابتة لا مراء فيها في جيل، نقضه الجيل الذي تلاه. وقد ينقض العلم غدا ما يبرمه العلماء اليوم، في حين أن نفثات هوراس وهوميروس وفرجيل ودانتي وملتون والمعري وشكسبير وأترابهم من الشعراء والأدباء الأفذاذ لتجد فيها النفوس في اليوم الحاضر ما وجدته من قبل نفوس الأمس البعيد الغار من متعة ولذة وأنس، ولسوف تتناقلها الأفواه في مؤتنف الأيام كما كانت تتناقلها الألسن في سالفات الأعوام، ولسوف يظل يتلوا الناس آيات الشعر